للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي يخلق الله عنده العلم للحاكم. ومن اين للمظلوم أن يأتي إلى الحاكم بجمع يفيد خبرهم العلم؟ وإني له ذلك؟

وبهذا تعرف أن الله - سبحانه وتعالى- إنما سوغ للقضاة أن يحكموا بتلك الأسباب الظنية لما في أسباب العلم من الصعوبة والقلة والضيق، وأيضًا لو لم يشرع لعباده الحكم بتلك الأسباب الظنية لكان إقرار من عليه الحق - الذي هو أعظم الحجج القائمة عليه- خارجًا عن أسباب الحكم بالعلم، لأنه لا يفيد إلا مجرد الظن.

فلما كان في أسباب العلم ما ذكرناه من الضيق والقلة، وندرة الحصول [٤أ] وسع الله على عباده. وحكام بلاده، بتوسيع دائرة سبب الحكم. فجعل من أسبابه مالاً يستفاد منه إلا مجرد الظن. وهي تلك الأسباب الظنية. ثم عذر الحاكم بها إذا كان ما حكم به غير مطابق للواقع. بل أثبت له الأجر كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» (١).

فجعل الحاكم بالظن مستحقًا مع الإصابة لأجرين، ومستحقًا مع الخطأ الأجر. بل قد ثبت - خارج الصحيح- أن: «الحاكم إذا أصاب فله عشرة أجور» (٢).

وهذا من فضل الله على العباد، ولطفه بحكام البلاد. فإنه لم يجعل على المخطئ شيئًا من الوزر. بل أثبت له الأجر، وجعل العقوبة على المحكوم له إذا كان يعلم أن الحكم خطأ. فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة من نار» (٣).

وإذا كان هذا الترديد الشرعي بين الأجر الكثير والأجر القليل لمن حكم بسبب ظني، فما ظنك بمن حكم بسبب ..........................


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.