للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقه. واختلف أيضًا أهل القول الأول أعني القائلين [٣٩] بوحدة الحق، فقال أكثرهم: إنه مخطئ معذور، وقال الأقلون: إنه مخطئ آثم، وحجج هذه الأقوال عقليها ونقليها مدونة في مطولات الأصول.

والحق الذي لا شبهة فيه أن المصيب من المجتهدين من وافق مراد الله عز وجل في ذلك الأمر المختلف فيه، وأن من خالفه فهو مخطئ، كما قاله الجمهور والأدلة على ذلك في الكتاب والسنة كثيرة جدا، فمنها قوله تعالى: {ففهمناها سليمان} فلو كان كل واحد منهما أعنى سليمان وداود مصيبا لم يكن لتخصيص سليمان معنى.

ومنها الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان (١) وغيرهما عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر" وأخرجه أيضًا الشيخان (٢) وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا.

وفي الباب عن عقبة بن عامر كما أشار إليه الترمذي (٣) وهو بلفظ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له في قضاء أمره به:" اجتهد فإن أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك حسنة"، وأخرجه أحمد في المسند، ورواه الحاكم في مستدركه بلفظ:" إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشرة أجور" (٤) ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد. فانظر ما اشتملت عليه هذه الأحاديث الصحيحة من الحجة النيرة الدافعة لقول من قال: إن كل مجتهد مصيب دفعا لا يبقى بعده ريب لمرتاب، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى من خالف الحق مخطئا فقال: " وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " وهؤلاء القائلون بأن كل مجتهد مصيب قالوا: إنه لا يكون المجتهد مخطئا، بل هو مصيب في كل ما يقتضيه اجتهاده.

ولما كانت هذه المقالة ظاهرة البطلان خالية عن البرهان قال بعض أهل العلم في تأويلها: إن لفظ مصيب قد يراد به الإصابة للشيء، وقد يراد به كون القول صوابا في نفسه أي لثبوت [٤٠] الأجر لفاعله، وإن كان مخطئا في الواقع، فالمصيب من الإصابة


(١) تقدم تخريجه في الرسالة رقم (١) (ص ١٣٨) وفي الرسالة رقم (٢) (٢١٠ - ٢١١).
(٢) تقدم تخريجه في الرسالة رقم (١) (ص ١٣٨) وفي الرسالة رقم (٢) (٢١٠ - ٢١١).
(٣) تقدم تخريجه في الرسالة رقم (١) (ص ١٣٨) وفي الرسالة رقم (٢) (٢١٠ - ٢١١).
(٤) تقدم تخريجه في الرسالة رقم (١) (ص ١٣٨) وفي الرسالة رقم (٢) (٢١٠ - ٢١١).