للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينافي الخطأ على كل حال، والمصيب من الصواب لا ينافي الخطأ الذي ثبت عليه الأجر كخطأ المجتهد.

ولا يخفاك أن هذا الكلام وإن كان صحيحا في نفسه لكن لا يصلح لتأويل قول من قال بأن كل مجتهد مصيب، فإن كلامهم لا يحتمل هذا التأويل لتصريحهم بأنه مصيب للحق. ولا ريب أن هذا هو معنى الإصابة لا سيما عند من قال منهم: إن حكم الله تابع لنظر المجتهد، ولقد أحسن من قال إنهم شابهوا هذه المقالة الفرقة التي يقال لها العندية من فرق السوفسطائية (١) فإنهم ثلاث فرق: عندية وعنادية واللادرية وأقوالهم خارجة عن القوانين العقلية؛ لأن القائل يقول لأحدهم: أنت موجود فيقول: لا، فيقول له: فما هذا الشبح الذي أراه، والكلام الذي أسمعه، والحس الذي أدركه؟ فيقول: وجودي ثابت عندك لا عندي، وهذه هي الفرقة العندية. وأما الفرقة العنادية فيقول له القائل: أنت موجود ويستدل على ذلك بنحو ما تقدم فيكابر ويصمم على أنه لا وجود له، وإنما ذلك خيال عرض للمدعي للوجود، فلما كان هذا عنادا قيل لهذه الفرقه: عنادية. وأما الفرقة الثالثة أعني التي يقال لها اللادرية، فإنه يقال له: أنت موجود فيقول: لا أدري، فيقال له: فما هذا الشبح المرئي والصوت المسموع، فيقول: لا أدري، ولقد أحسن من قال من علماء المعقول إن هؤلاء لا يناظرون إلا بالضرب المؤلم، فإذا استغاثوا قيل لهم: ألم تقولوا إنه لا وجود لكم؟ وهذا وإن كان فيه خروجا [٤١] عما نحن بصدده ففيه أيضًا فائدة اقتضاها ذكر ما قاله ذلك القائل.


(١) السوفسطائية: طائفة من اليونانيين ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، تقوم فلسفتهم على إنكار حقائق الأشياء، ويزعمون أنه ليس هاهنا ماهيات مختلفة وحقائق متمايزة فضلا عن، اتصافها بالوجود، بل كلها أوهام لا أصل لها. وكانوا يفاخرون بتأييد القول الواحد ونقيضه على السواء وبإيراد الحجج الخلابة في مختلف المسائل والمواقف، اشتهر منهم بروتاغوراس، وغورغياس.
انظر: قصة الحضارة. ول ديورانت (٧/ ٢١٢).
تاريخ الفلسفة اليونانية- يوسف كرم- ٥٧