للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ريب أن كل واحد من المصوبة يدعي لنفسه أنه مصيب ويعترف لخصمه بأنه مصيب، فكان هذا شبيها مما تقوله العندية.

ويا عجبا لقوم جعلوا مراد الله عز وجل أحدا دائرا بين المرادات وتابعا لنظر المجتهدين، والتزموا إنصاف العين الواحدة بأنها حلال بتحليل هذا المجتهد لها، وحرام بتحريم هذا المجتهد لها، وأن الله سبحانه شرع لعباده فيها أنها حلال وأنها حرام، وقد يتوقف الحكم من الله عز وجل بالحل أو الحرمة على وجود مجتهد يوجد في آخر الأزمنة، وقد يرتفع ما شرعه الله من الحل أو الحرمة بموت المجتهد وعدم المتابع له.

وبالجملة فهذا تلاعب لا مزيد عليه وهذيان لا يجوز نسبة مثله إلى أعجز العباد فكيف ينسب إلى أحكم الحاكمين، وليس لهم على هذه المقالة الساقطة أثارة من علم ولا ألجأهم إليها دليل عقل ولا نقل، بل مجرد خيالات مختلة ودعاوى (مضلة).

والحاصل أن الأدلة الدالة على هدم هذه المقالة كثيرة جدا وهي محتملة لإفرادها بالتصنيف، وقد كان قرن الصحابة الذي هو خير القرون يصرحون بتخطئة بعضهم بعضا في غير مسألة، ويخشى بعضهم على بعض إذا رآه قد أخطأ في اجتهاده، والواقعات في هذا كثيرة جدا قد اشتملت عليها كتب الأحاديث والسير فارجع إليها، فإن ذلك يغنيك عن التطويل هنا [٤٢].

وأما ما ذكره السائل من قوله: فمن أين لنا العلم بالمصيب وما علامته.

فأقول: إن كان هذا الذي يريد أن يعرف المصيب مجتهدا فلم يتعبده الله بذلك بل تعبده بأن يعرف الصواب، ومعرفة الصواب تحصل له بأن ينظر في أدلة الكتاب والسنة نظرا يحصل له عنده الظن القوي بأنه قد أحاط بما يتعلق بما ينظر فيه من المسائل من الأدلة الدالة عليها، فإذا فعل ذلك جمع بين ما كان ظاهره التخالف منها جمعا مقبولا، فإن تعذر الجمع رجع إلى الترجيح، وقدم الراجح على المرجوح وعمل به.

وطرق الجمع (١)


(١) انظر: تيسير التحرير (٣/ ١٦١) مجموع فتاوى (٩ ١/ ٢٠١ - ٢٦٧) (٢٢/ ٣٦٨) المستصفى (٢/ ٣٩٢).