للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والترجيح معروفة مدونة لا تلتبس على من ترشح للاجتهاد والنظر في المسائل.

وبهذا يعرف الصواب، ومعرفته تستلزم معرفة المصيب ولكن هذا إنما هو في ظن ذلك المجتهد ولم يتعبده الله بزيادة على هذا.

فإن انكشف أن ذلك الذي ظنه صوابا هو الصواب في الواقع فقد ظفر هذا المجتهد بالأجرين المذكورين في الحديث، وإن انكشف أنه خلاف الصواب في الواقع فقد ظفر بأجر. وأما إذا كان الذي أراد أن يعرف المصيب أو الصواب مقلدا فقد كلف نفسه ما لا تبلغ إليه قدرته وتقصر عن إدراكه ملكته، ومن أين لمن يقر على نفسه بأنه لا يتعقل الحجج بأنه يعرف صوابا أو إصابة، ولكن ينبغي أن يعلم هذا المقلد بأن بين جنبيه نفسا شريفة وهمة عالية تنازعه إلى مكان لا يرتقي إليه إلا من قطع عن عنقه أطواق التقليد، وأقبل على علوم الاجتهاد بساعد شديد وناب حديد، فليقبل على العلوم بكليته، ويستفرغ فيها وسعه، فإن بلغ إلى المنزل ظفر بالمنية وفاز بالأمل، وإن بات [٤٣] دونه فقد أعذر وأورد في المعالي وأصدر.

البحث الثاني من مباحث السؤال الثالث:

قوله- عافاه الله- وإذا ثبت عذر المخطئ فهل يعذر مقلده أم لا؟

والجواب: أنه لم يرد الدليل إلا في خطأ المجتهد، ولم يأت في تسويغ التقليد حرف واحد من كتاب ولا سنة، وما يزعمه من سوغ التقليد من أنه دليل على ما زعمه فهو خارج عن ذلك كما يعرفه من يعرف الدليل، وكيف يستدل به. بل قد ثبت عن الأئمة الأربعة رحمهم الله النهي عن تقليدهم، وقد أوضحت هذا في مؤلف مستقل سميته " القول المفيد في حكم التقليد " (١) ولم أدع شيئا مما قاله الناس في هذه المسألة إلا ذكرته، وتعقبت ما يستحق التعقيب، وبسط الكلام في ذلك لا يتسع له المقام ولكنه قد يشتغل ذهن المطلع على هذا الجواب بسؤال وهو: (أن قول يقول) (٢) ليس في وسع كل أحد من


(١) (ص ١١٧ وما بعدها) بتحقيقنا ط ١.
(٢) هكذا في المخطوط، ولعله صوابه: (وهو قول من يقول).