للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأين هو عن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «استفت قلبك وإن أفتاك المفتون» (١)؟

فإنه لا شك ولا ريب: «أن الظن ريبة، والعلم طمأنينة، وأنه لولا ورود الشرع بتلك الأسباب الظنية لكان تركها متحتمًا لكونها محل ريب».

ثم من لم يكن معه إلا مجرد ظن لاحظ له عند قلبه إذا رجع إليه واستفتاه، فإنه لا يفتيه بشيء؛ لأنه لم يكن لديه إلا مجرد ظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا.

بل القلب الذي يستفتيه صاحبه فيفتيه هو من كان عنده علم (٢). فإنه يكشف له عن الصواب، ولا يتستر دونه من الشك بجلباب [٥ب].

ثم يقال لهذا المانع من الحكم بالعلم:

أخبرنا: هل الحاكم بالعلم قد حكم بما أمره الله أن يحكم به من الحق والعدل والقسط أم لا؟

فإن قلت: نعم. فما ذاك المطلوب منه غير هذا. بعد أن فعل ما أمر الله به في محكم كتابه.

وإن قلت: لا. قلنا: كيف يكون من حكم بحكم لا يدري هو في الواقع كمنا حكم به أولًا أ؛ ق بما أمر الله به من الحكم بالعدل والحق والقسط من حاكم حكم بحكم شاهده بعيني رأسه وعلمه علماً جازمًا! وقطع بمطابقته للواقع؟ وهل هذا إلا صنع من لا يعقل الحجج، ولا يهتدي لمدخلها ولا للمخرج؟ وكيف يكون المتردد في الشيء أعلم به من الجازم!؟

والجاهل للأمر أحق بنسبته


(١) تقدم تخريجه.
(٢) سيأتي مناقشة قول الشوكاني هذا.