للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه في تلك الصورة، ثم قال: وأنت تعلم أن ما استدل به الكعبي من أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (١)، إنما هو في هذه الصورة؛ إذ في الأولى أعني- تقدير عدم القصد والإرادة- والداعي إلى فعل الحرام لا يصدق أن فعل المباح دائمًا واجب، للكف عن الحرام، فالدليل لا يدل عليه فتأمل.

ومن الذاهبين إلى مذهب الجمهور من لم يعترف بحقية قول الكعبي، وتكلف للجواب عليه بما لا يرضيه المنصفون، فقال ابن الإمام في شرح الغاية في مسألة مقدمة الواجب ما لفظه:

وأما الرابع: فقول أبي القاسم البلخي: إنما يصح لو توقف ترك الحرام على فعل المباح، وليس كذلك لجواز أن لا يتوقف على فعل، أو على فعل غير مباح.

وقد عرفت أن هذا الجواب لا يوجب خروج المباح عن كونه واجبًا مطلقًا، إنما


(١) قال ابن تيمية في «مجموع فتاوى» (١٠/ ٥٣٢): «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب «أو» يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب» يتضمن إيجاب اللوازم، والفرق ثابت بين الواجب «الأول» و «الثاني» فإن الأول يذم تاركه ويعاقب، والثاني واجب وقوعًا، أي لا يحصل إلا به ويؤمر به امرأ بالوسائل، ويثاب عليه، لكن العقوبة ليست على تركه.
ثم قال ابن تيمية: « ... وبهذا تنحل «شبهة الكعبي» فإن المحرم تركه مقصود، وأما الاشتغال بضد من أضداده فهو وسيلة، فإذا قيل المباح واجب بمعنى وجوب الوسائل، أي قد يتوسل به إلى فعل واجب وترك محرم فهذا حق.
هم إن هذا يعبر فيه القصد، فإن كان الإنسان يقصد أن يشتغل بالمباح ليترك المحرم.
وقد يقال المباح يصير واجبًا بهذا الاعتبار، وإن تعين طريقًا صار واجبًا معينًا، وإلا كان واجبًا مخبرًا، لكن مع هذا القصد، أما مع الذهول عن ذلك فلا يكون واجبًا أصلاً، إلا وجوب الوسائل إلى الترك وترك المحرم لا يشترط فيه القصد، فكذلك ما يتوسل به إليه، فإذا قيل هو مباح من جهة نفسه وإنه قد يجب وجوب المخيرات من جهة الوسيلة لم يمنع ذلك، فالنزاع في هذا الباب نزاع لفظي اعتباري، وإلا فالمعاني الصحيحة لا ينازع فيها من فهمها.
وانظر «البحر المحيط» (١/ ٢٨١).