للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به في النهي، كما هو الراجح، وهو فعل مغاير لسائر الأفعال الوجودية التي هي أضداد الحرام، ولا خفاء في توقف الكف على القصد له، ولا في أن الكف عن الشيء فرع خطوره بالبال، وداعية النفس له، فمن سكنت جوارحه عن الحرام أو غيره أو حركها في مباح أو غيره، من غير أن يخطر بباله الحرام، ولا دعته النفس إليه لم يوجد منه كف، فلا يكون آتيًا بالترك الواجب، وإن كان غير إثم اكتفى بالانتقال الأصلي في حقه، فقد ظهر أن اجتماع الترك الواجب أعني: الكف، وما يعرض عن فعل مباح أو غيره مما ذكره اجتماع اتفاقي لا لزومي، فإذا اجتمعا فالموصوف فيه بالوجوب هو الكف، لا ما يقارنه من الفعل المباح أو غيره انتهى.

قال ابن أبي شريف: وهذا أحسن ما يتخلص به عن دليل الكعبي. ولا يخفى عليك أن هذا الكلام مع ما فيه من التكلف لا يتم إلا بعد تسليم أن المكلف به في النهي هو الكف المذكور، وأنه خلاف، فإن القائلين بأن النهي عن الشيء أمر بضده صرحوا بأن النهي طلب ترك فعل، والترك فعل للضد، فالمكلف به فعل الضد والمباح ضد فيكون واجبًا لا من حيث كونه كفَّا عن قصد، بل من حيث كونه تركًا للحرام.

وأهل هذا المقالة أعني: كون النهي عن الشيء أمرًا (١) بضده هم القائلون بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده.


(١) انظر الرسالة السابقة.
قال ابن برهان في «الأوسط» كما في «البحر المحيط» (١/ ٢٨١): بنى الكعبي مذهبه على أصل إذا سلم له فالحق ما قاله، وهو أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عن الشيء أمر بضده، ولا مخلص من مذهبه إلا بإنكار هذا الأصل.