للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن ثابت على معاوية فسأله عن حديث فأمر إنسانا بكتبه فقال له زيد بن ثابت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه، وهذه المسألة محتملة للتطويل وقد أفردتها بمصنف مستقل (١)، وفي هذا المقدار كفاية [٤٨].

البحث الخامس من مباحث السؤال الثالث:

قوله: فيما ورد في الحديث:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... إلخ (٢).

والجواب: أن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة، والذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدل عليه هذا التركيب بحسب ما يقتضيه لغة العرب فالسنة هي الطريقة، فكأنه قال: الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء وعلى كل حال. وكانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها، وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر. وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضًا من سنته لما دل عليه حديث معاذ لما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بم تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله، أو كما قال " (٣).

وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف، فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به، وقد أوضحت هذا في بحث مستقل، فإن قلت: إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله وسنة الخلفاء الراشدين ثمرة. قلت: ثمرته أن من الناس من لم يدرك زمنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدرك زمن الخلفاء الراشدين أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء، ولكنه


(١) رسالة بعنوان " بحث في العمل بالخط ومعاني الحروف العلمية النقطية " وهي ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ".
(٢) تقدم تخريجه في الرسالة السابقة رقم (١) (ص١٤٠).
(٣) سيأتي تخريج هذا الحديث في الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني، وهو حديث منكر.