للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدث أمر لم يحدث في زمنه ففعله الخلفاء، فأشار بهذا الإرشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردد في بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون، وأقل فوائد الحديث أن ما يصدر عنهم من الرأي، وإن كان من سنته كما تقدم، ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل.

وبالجملة فكثيرا ما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينسب الفعل أو الترك إليه وإلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه؛ لأنه محل القدوة ومكان الأسوة، فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث، ولم أقف في تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم، فإن كان صوابا [٤٩] فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم.

البحث السادس من مباحث السؤال الثالث:

قوله: فكيف إذا تعارضت عند الناظر كحديث كان الطلاق (١) على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... إلخ.

والجواب: أن هذه المسألة طويلة الذيول، كثيرة النقول، واسعة الأطراف، رحبة الأكناف، وقد أفردها جماعة بالتصنيف آخرهم رقم هذه الأحرف غفر الله له ولا بد من الإشارة إلى ما هو الحق بأخصر عبارة، فاعلم أنه قد احتج القائلون بأن الطلاق الثلاث يكون ثلاثا دفعة واحدة، وهم جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة، وطائفة من أهل البيت لقوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (٢) وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الاثنتين دفعة أو مفرقة، ويجاب عنه بأنه لا دليل في الآية على ما زعموه من وقوع الثلاث دفعة، فلم يكن في الآية إلا المرتان. وأما التسريح فهو إما يكون بعد إيقاع الطلقتين وهو أمر غير الطلقتين، وقد قيل: إن الآية حجة عليهم لا لهم، وإنما تدل على المنع من إيقاع الثلاث دفعة، وهو أظهر وأوضح وعندي أن


(١) تقدم في الرسالة السابقة رقم (١).
(٢) [البقرة: ٢٣٠].