للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روحًا طاهرة مقدسة بسيطة مجردة عن المادة، ثم خلق المسيح في آخر الزمان من أحشاء مريم البتول الطاهرة، فاتحد الابن المخلوق في الأزل بإنسان المسيح فصار واحدًا.

ومنهم من قال: إن مريم لم تحمل (١) بالمسيح تسعة أشهر بل مر بأحشائها كمرور الماء في الميزاب.

ومنهم من قال: المسيح بشر خلق، وأن ابتداء الابن من مريم ثم إنه اصطفي فصحبته النعمة الإلهية بالمحبة والمشيئة.


(١) قال ابن تيمية في «الجواب الصحيح» (٣/ ٣١٦ - ٣١٧): والمسيح- عليه السلام- لم يخلق من ماء رجل، بل لما نفخ روح القدس في أمه حبلت به، وقال الله كن فيكون، ولهذا شبهه الله بآدم في قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩].
فإن آدم- عليه السلام- خلق من تراب وماء، فصار طينًا، ثم يبس الطين، ثم قال له: كن فكان، وهو حين نفخ الروح فيه صار بشرًا تامًّا، لم يحتج بعد ذلك إلى ما احتاج إليه أولاده بعد نفخ الروح، فإن الجنين بعد نفخ الروح يكمل خلق جسده في بطن أمه، فيبقى في بطنها نحو خمسة أشهر، ثم يخرج طفلاً يرتضع، ثم يكبر شيئًا بعد شيء. وآدم- عليه السلام- حين خلق، خلق جسده، قيل له كن بشرًا تامًّّا بنفخ الروح فيه، ولكن ولم يسم كلمة الله؛ لأن جسده خلق من التراب والماء، وبقي مدة طويلة- يقال: أربعين سنة، فلم يكن خلق جسده إبداعيًّا في وقت واحد، بل خلق شيئًا فشيئًا، وخلق الحيوان من الطين معتاد في الجملة.
وأما المسيح- عليه السلام- فخلق جسده خلقًا إبداعيًّا بنفس روح القدس في أمه، قيل له: فيكون، فكان له من الاختصاص بكون خلق بكلمة الله ما لم يكن لغيره من البشر، ومن الأمر المعتاد في لغة العرب وغيرهم أن الاسم العام إذا كان له نوعان خصت أحد النوعيين باسم وأبقت الاسم العام مختصًّا بالنوع، كلفظ الدابة والحيوان فإنه عام في كل ما يدب، وكل حيوان، ثم لما كان للآدمي اسم يخصه بقي لفظ الحيوان يختص به البهيم، ولفظ الدابة يختص به الخيل أو هي والبغال والحمير ونحو ذلك، وكذلك لفظ الجائز والممكن وذوي الأرحام، وأمثال ذلك، فلما كان لغير المسيح ما يختص به أبقي اسم الكلمة العامة مختصًّا بالمسيح.