للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإقنيم الابن، وإقنيم روح القدس، وهذه الأقانيم الثلاثة وهو جوهر قديم.

والفرقة الثانية النسطورية (١)، وهم يوافقون الملكانية في الجملة، وإن اختلفوا في بعض


(١) النسطورية: نسبة إلى نسطوريوس الذي ولد بسوريا (٣٨٠ م- ت٤٥١ م) - وقد أخطأ الشهرستاني في قوله: إن نسطور الملقب بالحكيم ظهر في زمان المأمون- وقد أصبح نسطور بطريكًا على القسطنطينية سنة ٤٢٨ م، لمدة أربع سنين إلى أن أعلن مذهبه- الذي تأثر فيه بأستاذه ثيودور المبسوستيائي ت ٤٢٨ م- بأن مريم العذراء أم المسيح الإنسان وليت والدة الإله، ولذلك كان إثبات أحدهما الإنسان الذي هو مولود من مريم، وأن هذا الإنسان الذي يقول إنه المسيح بالمحبة متوحد مع ابن الإله، ويقال له: الإله وابن الإله، ليس على الحقيقة ولكن على المجاز.
ولما قال نسطور مقالته تلك كاتبه كيرس بطريرك الإسكندرية ويوحنا بطرير أنطاكية ليعدل عن رأيه ولكنه لم يستجب، فانعقد لذلك مجمع أفسدس وتقرر فيه: وضع مقدمة قانون الإيمان، وأن مريم العذراء والدة الله، وأن للمسيح طبيعتان لاهوتية وناسوتية في أقنوم واحد، وتقرر أيضًا خلع نسطور من الكنيسة ولعنه ونفيه إلى مصر.
ويذكر المؤرخ ابن البطريق في التاريخ (ص ١٥٢)، وأن مقالة نسطور قد اندثرت فأحياها من بعده بزمان طويل برصوما (ت ٤٩٠ م) مطران نصيبين في عهد قباذ بن فيروز ملك فارس، وثبتها في الشرق وخاصة أهل فارس، فلذلك كثرت النسطورية بالمشرق وخاصة أرض أهل فارس بالعراق والموصل ونصيبين والفرات والجزيرة.
وهذا يفسر لنا سبب انحراف النسطوريين عن مقالة نسطور الأصلية فقد مالوا إلى القول بامتزاج اللاهوت (ابن الإله) في الناسوت، وبأن المسيح أقنومان وطبيعتان لهما مشيئة واحدة، وإليهم أشار القرآن الكريم بقوله: قال تعالى: {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: ٣٠ - ٣١]. ولا تزال توجد منهم جماعات متفرقة في آسيا وخاصة في العراق وإيران والهند والصين ومع أن الكنيسة الكاثوليكية أدخلتهم في حظيرتها إلا أنهم لا يزالون ينكرون عبادة مريم.
- وكان لأتباع النسطورية تأثير بالغ في ظهور الفرق المنتسبة إلى الإسلام وخصوصًا الغلاة منها التي ظهرت في المشرق، فقد تأثر الشيعة بعقائدهم وخاصة حلول اللاهوت في الإمام أو أن الإمام له طبيعة إلهية.
وكان لهم شأن خطير في ترجمة كتب اليونان وخاصة كتب الفلسفة التي أفسدت عقائد المسلمين وسربت إليهم الأفكار المنحرفة التي تأثرت بها فرقة المعتزلة تأثرًا كبيرًا وخاصة في تحكيم العقل والقول بنفي القدر ....
انظر: «الفصل» (١/ ١١١)، «الملل والنحل» (١/ ٢٤٤، ٢٤٥)، «محاضرات في النصرانية» (ص ١٥٧ - ١٥٩) لأبي زهرة.