للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالدليل قامت عليه الحجة، وبطلت دعواه، واسترحنا من الكلام معه، والاستدلال عليه (١). وهذه الجملة معلومة من علم المناظرة، لا خلاف بين أهله في ذلك، وكما أن هذا معلوم في علم المناظرة فهو أيضًا معلوم في علم أصول الفقه، فإن المتمسك بالعام لديهم لا يتزحزح عن ذلك العموم إلا إذا اعتقد من يدعي خلافه بالمخصص الصالح للاحتجاج به، وإلا فقوله رد عليه.

إذا تقرر لك هذا فاعلم أن القائل بأن الخيل لا يحل أكلها، وأنها كالحمير، والبغال لا بد أن يأتي بدليل تقوم به الحجة، وإلا فالواجب البقاء على تلك العمومات السابقة، فإن استدل على تحريمها بقول الله- عز وجل-: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} (٢) الآية. قلنا له: هذه الآية ليس فيها شيء من الدلالة على ما تريد، وبيانه أن الله- سبحانه- إذا ذكر لشيء من مخلوقاته فائدة، أو فائدتين، أو فوائد، فذلك لا يدل على أن لا يوجد فيها [١ ب] غير ما ذكره الله- سبحانه-، وهذا لا يخالف فيه أحد ممن يعرف العلوم الآلية، ويدري بلغة العرب، وبأسرارها المبينة في علم المعاني والبيان، وفي علم أصول الفقه.

وقد ذكر الله- سبحانه- في الإبل فوائد ومنها: {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه} (٣) الآية، وهكذا سائر الحيوانات التي أحلها لا يستلزم ذكر فائدة من فوائدها أن تكون هي المرادة، ولا يجوز غيرها، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم، ومع هذا فهذه الآية التي استدلوا بها مكية وقد تعقبها التحليل بالمدينة كما سيأتي بيانه.


(١) سيأتي ذكره.
(٢) [النحل: ٨].
(٣) [النحل: ٧].