للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الباب أحاديث (١) غير هذه في بعضها التصريح بأنها تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، فكيف يسمح من له رغبة في الخير، وطلب للثواب، وحرص على الأجر أن يصلي منفردًا فتكون له درجة واحدة، ويفوت عليه ست وعشرون درجة! مع كون صلاته وحده على فرض انقطاع الخارج منه حال تأديته لتلك الصلاة منفردًا لا يفضل على تأديته لها منفردًا، والخارج يخرج، وهكذا صلاته في جماعة والخارج منقطعًا لا يفضل على تأديته لها، والخارج مطبقًا، وهل هذا إلا من ظلم النفس بإحرمها للأجور التعددة، ومن بخس الحظ بتفويت الأجور المتكاثرة ومن عدم الرغبة في الخير الكثير، والأجر العظيم بالعدول عنه إلى الأجور النزر، والثواب القليل! هذا لو لم يكن من الشارع إلا لمجرد المفاضلة بين الصلاتين، فكيف وقد صح عنه أنه قال: «لقد هممت أن أمر بالصلاة، ثم أمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم [٥أ] من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» وهو في الصحيح (٢) من طرق، حتى أنه لم يرخص في التخلف عن الجماعة للأعمى الذي لا قائد له إذا كان يسمع النداء، وهو أيضًا في الصحيح (٣). وجعل التخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق، وهو في الصحيح (٤) أيضًا.

فإن هذه الأحاديث وأمثالها تدل على أن ذلك متأكد أبلغ تأكد، ومشدد فيه أعظم تشديد، ولا أقول: ذلك وهذا التفضيل الذي سبق ذكره ما بين صلاة الجماعة وصلاة


(١) منها ما أخرجه البخاري في صحيحة رقم (٦٤٦) من حديث أبي سعيد.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (٦٤٤) ومسلم رقم (٢٥١/ ٦٥١).
ومالك (١/ ١٢٩ رقم٣) وأحمد (٢/ ٢٤٤) وأبو داود رقم (٥٤٨و٥٤٩) والنسائي (٢/ ١٠٧) وابن ماجه رقم (٧٩١) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٥٥).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحة رقم (٢٥٥/ ٦٥٣) والنسائي (٢/ ١٠٩ رقم ٨٥٠).
(٤) أخرجه البخاري رقم (٦٥٧) ومسلم رقم (٢٥٢/ ٦٥١) وابن ماجه (١/ ٢٦١ رقم ٧٩٧) والدرامي (١/ ٢٩١) من حديث أبي هريرة.