للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا من باب إعادة الصلاة في وقتها، والأمر واضح لا يخفى- إن شاء الله-.

قال- كثر الله فوائده-: وأيضًا على أي صفة يحضر هذا الرجل صلاة الجمعة؟ أفتونا علمكم الله ما لم تكونوا تعلمون. انتهى.

أقول: يحضر الجمعة على الصفة التي يحضر بها باقي الصلوات، فالجمعة صلاة من الصلوات، واختصاصها بالخطبة قبلها ليس ذلك مما يخرج عن كونها صلاة من الصلوات، ولقد أطال الناس في شروط هذه العبادة لأعني صلاة الجمعة (١) بما لا طائل تحته عند من جرد نفسه للعمل بالكتاب والسنة، ولم يعول على مجرد الرأي المحض، وتأمل- أرشدك الله- مقالات الناس في هذه العبادة، فهذا يقول لا يجب إلا في مكان مخصوص كالمصر الجامع في المكان المستوطن، وهذا يقول لا يجب إلا مع وجود الإمام الأعظم، وهذا يقول لا يجب إلا بعدد مخصوص [١٠أ] كقول من قال بالأربعين أو بالسبعين، أو بالاثنى عشر، أو بالثلاثين، أو نحو ذلك من الأقوال الفاسدة التي لا ترجع إلى عقل ولا نقل.

ويا ليت شعري ما الحامل لهم على هذا وأمثاله في مثل هذه العبادة الجليلة، والصلاة الفاضلة! وقد بحثنا عن أدلتهم أتم بحث. فغاية ما يجده الإنسان عند من له نظر في الأدلة على وجه يكنه الاستدلال على ما قاله هو أومن يقلده هو وقوع واقعة فعلية أو اتفاقية.

ويالله العجب كيف يستدل بمثل ذلك على كون الشيء شرطًا‍! فإن الشرط هو الذي يؤثر عدمه في عدم المشروط، فلا تثبت إلا بدليل خاص، وهو ما يفيد نفي الذات من حيث هي، أو نفي ما لا تصح. ويجري بدونه.

وهكذا الفرض لا يثبت إلا بدليل خاص كالأمر بالفعل أو النهي عن الترك، أو التصريح بأنه فرض أو واجب أو نحو ذلك، فانظر- أرشدك الله- هل صح عن الشارع من وجه صحيح أنه قال لا صلاة جمعة إلا في مسجد جامع، أو في مكان مستوطن، أو


(١) انظر «فتح الباري» (٢/ ٤٢٣).