للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن هذا المقام طال فيه النزاع، وحارت فيه الأفهام، وزلت الأقدام، وكل يدعي الصواب بزخرف الجواب، فأبينوا المدعى بالدليل، وبينوا طريق الحق بالتفصيل والتطويل، ضاعف الله لكم الأجور، ووقاكم الشرور، آمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.

وأقول: اعلم أن [١أ] الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات قد طالت ذيوله، وتشعبت أطرافه، وتباينت فيه المذاهب، وتفاوتت فيه الطرائق، وتخالفت فيه النحل.

وسبب هذا: عدم وقوف المنتسبين إلى العلم حيث أوقفهم الله، ودخولهم في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها، ومحاولتهم لعلم شيء استأثر الله بعلمه، حتى تفرقوا فرقا، وتشعبوا شعبا، وصاروا أحزابا، وكانوا في البداية، ومحاولة الوصول إلى ما يتصورونه من العامة، مختلفي المقاصد، متبايني المطالب.

فطائفة: وهي أخف هذه الطوائف المكلفة علم ما لم يكلفها الله سبحانه بعلمه إثما، وأقلها عقوبة وجرما- وهي التي أرادت الوصول إلى الحق، والوقوف على الصواب، لكن سلكت في طلبه طريقة متوعرة، وصعدت في الكشف عنه إلى عقبة كئود لا يرجع من سلكها سالما، فضلا أن يظفر فيها بمطلوب صحيح.

ومع هذا، أصلوا أصولا ظنوها حقا، فدفعوا بها آيات قرآنية، وأحاديث صحيحة نبوية، واعتلوا في ذلك الدفع بشبه واهية، وخيالات مختلة.

وهؤلاء هم طائفتان:

الطائفة الأولى: هي الطائفة التي غلت في التنزيه، فوصلت إلى حد يقشعر عنده الجلد، ويضطرب له القلب، من تعطيل (١) الصفات الثابتة بالكتاب والسنة ثبوتا أوضح


(١) وهم نفاة الصفات، قال ابن تيمية في شرح حديث النزول ص ٧٤ - ٧٥: ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات: (معطلة)؛ لأن حقيقة قولهم: تعطل ذات الله تعالى، وإن كانوا هم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين، فيقولون: هو موجود قديم واجب، ثم ينفون لوازم وجوده فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود حق ليس بحق، خالق ليس بخالق، فينفون عنه النقيضين إما تصريحا بنفيهما، وإما إمساكا عن الإخبار بواحد منهما.
فلا يقولون موجود ولا موجود، ولا حي ولا حي، ولا عالم ولا عالم قالوا؛ لأن وصفه بالإثبات تشبيه له بالموجودات، ووصفه بالنفي فيه تشبيه له بالمعدومات فآل بهم إغراقهم في نفى التشبيه إلى أن وضعوه بغاية التعطل.