للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من شمس النهار، وأظهر من فلق الصبح، وظنوا هذا من صنيعهم موافقا للحق، مطابقا لما يريده الله سبحانه، فضلوا الطريق المستقيم، وأضلوا من رام سلوكها.

والطائفة الأخرى: هي الطائفة التي غلت في إثبات القدرة غلوا بلغ إلى حد أنه لا تأثير لغيرها، ولا اعتبار بما سواها، وأفضى ذلك إلى الجبر المحض (١) والقسر الخالص


(١) الجبر: وهو القول بالجبر الذي يقول به الجبرية، وهم الذين ينفون قدرة العبد ومشيئته، وأوضح فرقة تمثل هذا الاتجاه الجهمية الذين يردون كل شيء إلى الله والعبد عندهم أشبه ما يكون بريشة في مهب الريح.
وقد أنكره السلف والأئمة، حيث توسل بذلك قوم إلى إسقاط الأمر والنهي والوعد والوعيد، وأنكر من أنكر منهم ما جعله الله تعالى من الأسباب حتى خرجوا عن الشرع والعقل، وقالوا: إن الله يحدث الشبع والري عند وجود الأكل والشرب لا بهما، ويحدث النبات عند نزول المطر لا به.
وهذا خلاف ما جاء به الكتاب والسنة قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: ٥٧].
وكره السلف أن يقال (جبر) وأن يقال ما جبر.
قال الأوزاعي: "ما أعرف للجبر أصلا من القرآن والسنة، فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والخلف والجبل، فهذا يعرف في القرآن والحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما وصفت هذا مخافة أن يرتاب رجل من أهل الجماعة والتصديق ".
وروي عن الزبيدي عندما سئل عن (الجبر) قال: " أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل، ولكن يقضي ويقدر، ويخلق ويجبل عبد على ما أحب ". انظر: بغية المرتاد (ص ٢٦١ - ٢٦٣) وشرح حديث النزول (ص ٢٥٢ - ٢٥٣).