للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يبق لبعثة الرسل، وإنزال الكتب كثير فائدة، ولا يعود ذلك على عباد لله بعائدة.

وجاءوا بتأويلات للآيات البينات، ومحاولات لحجج الله الواضحات، فكانوا كالطائفة الأولى في الضلال والإضلال، مع أن كلا المقصدين صحيح، ووجه كل منهما صبيح، لولا ما شابه من الغلو القبيح.

وطائفة توسطت، ورامت الجمع بين الضب (١) والنون (٢)، وظنت أنها قد وقفت بمكان بين الإفراط والتفريط.


(١) جمع بين الضب والنون.
الضب: حيوان معروف، جمعه ضباب، وكنيته أبو حسل، والحسل ولده.
والنون: الحوت، وجمعه نينان، وهذا مثل يضرب في الجمع بين أمرين متنافيين، والتأليف بين شيئين متخالفين.
لأن الضب حيوان بري لا يرد الماء ويلازم الصحراء وأكثر ما يكون في الكدى، كما قال خالد بن علقمة:
ترى الشر قد أفنى دوائر وجهه ... كضب الكدى أفنى براثينه الحفر
لأن في طبعه النسيان وعدم الهدية ولذلك يحفر جحره عند صخرة أو في أكمة لئلا يضل عنه إذا خرج لطلب الطعام، لذلك يقال: أحير من ضب، ومن عجيب أمره أنه يعيش سبعمائة سنة ولا تسقط له سن وهو لا يشرب الماء. ويقال: إنه يبول كل أربعين يوما مرة.
ومن كلام العرب: لا أفعل ذلك حتى يرد الضب، كما يقولون: حتى يشيب الغراب.
ومن الكلام الموضوع على ألسنة العجماءات، قالت السمكة: رد يا ضب! فقال:
أصبح قدي صردا ... لا يشتهي أن يردا
(٢) والنون حيوان بحري لا يفارق الماء أبدا فلا يجتمعان. قال الصابئ:
الضب والنون قد يرجى اجتماعهما ... وليس يرجى اجتماع المال والأدب
ولما بين الضب والنون من التنافي والتقابل قال حاتم الأصم أو غيره:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي ... ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم ... وللضب في البيدا وللحوت في البحر
ولوضوح ذلك يقال عند التجهيل: فلان لا يفرق بين الضب والنون. زهر الأكم في الأمثال والحكم، للحسن اليوسي (٢/ ٥٠ - ٥١) و (٢/ ١٤٨).