للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو داود (١)، والنسائي (٢)، وابن ماجه (٣). ففي [٢ب] هذا الحديث ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن كان له أدنى بصيرة، وأقل فهم للحق ورجوع إليه، وإقلاع عن الباطل فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنكر عليهم مجرد التفريق في المسجد، ووقوف كل طائفة وحدها منفردة عن الأخرى، مع أنهم سيجمعون في صلاة واحدة، وعلى إمام واحد، فكيف لو كان هذا التفريق بأن تصلي كل طائفة وحدها معتزلة عن الجماعة الكبرى! فإن هذا أعظم شأنا لاختلاف القلوب، والتفرق في الدين، والمواحشة بين المؤمنين، لا يشك في ذلك من له أدنى معرفة للمقاصد الشرعية، وأقل بصيرة تفهم بها مدلولات الكلمات النبوية.

وأما من طبع على قلبه يطابع التعصب، وعلى صدره الرين فهو بعيد عن الانقياد للحق، والإذعان للصواب. وهذا الاستفهام منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هو استفهام استنكار وتوبيخ وتقريع، وهو يحمل النهي والمتبالغ عن الكون عن تلك الحالة التي رآهم عليها. هذا جواب السائل في مجرد التجميع من البعض قبل قيام الجماعة الكبرى في ذلك المسجد. أما لو كان الانفراد بالتجميع حال قيام الجماعة (٤) الكبرى فهذا أشد منكر


(١) في " السنن " رقم (١٢٩).
(٢) في " السنن " (٣/ ٤) مختصرا.
(٣) في " السنن " رقم (١٠٤٥). كلهم من حديث جابر بن سمرة. وهو حديث صحيح. قال القرطبي في " المفهم " (٢/ ٦٢): " مالي أراكم عزين " جماعات في تفرقة وأمرهم بالائتلاف، والاجتماع، والاصطفاف كصفوف الملائكة وهذا يدل على استحباب تسوية الصفوف وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إنه من تمام الصلاة من حديث أنس وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم (٧١٩) ومسلم رقم (٤٣٣).
(٤) انظر: حاشية اين عابدين (٢/ ٣٧). بتحقيقنا.