للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه: {وهو معكم أين ما كنتم} (١) و {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} (٢) وفي نحو {إن الله مع الصابرين} (٣)، {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} (٤) إلى ما يشابه ذلك ويماثله ويقاربه ويضارعه.

فنقول في مثل هذه الآيات (٥) هكذا جاء القرآن أن الله سبحانه مع هؤلاء، ولا


(١) [الحديد: ٤]
(٢) [المجادلة: ٧]
(٣) [الأنفال: ٤٦]
(٤) [النحل: ١٢٨]
(٥) قال ابن تيمية في الفتوى الحموية ص ١٤٧: وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو والنجم معنا.
ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة.
ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها) إلى قوله: (وهو معكم أين ما كنتم) [الحديد: ٤].
دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية، ومقتضاها أنه مطلع عليكم شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف: أنه معهم بعلمه وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.
فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أمورا لا يقتضيها في الموضع الآخر، فأما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع. أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها- وإن امتاز كل موضع بخاصية- فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق، حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها.
ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا ألبتة، مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله تعالى: (وهو معكم أين ما كنتم) [الحديد:٤].
وذلك أن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع بينهما في قوله سبحانه وتعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد:٤]. فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا.
الفتوى الحموية (ص١٤٦ - ١٤٧).