للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقصد التاسع]

قال - كثر الله فوائده -: فإن قيل: هذا الذي روي عن ابن مسعود غير مرفوع، فيحتمل أن يكون مذهبا له، قيل له: الظاهر أن ذلك من المرفوع إذ لا يصدر ذلك التعميم من ذلك الصحابي الجليل، وعنده سنة مخالفة، والاحتمال لا يدفعه الظهور.

أقول: أما كونه لا يصدر عنه ذلك، وعنده سنة مخالفة فيمكن. ولكن قد وقع من جماعة من الصحابة المخالفة لما رروه بالراي، كحديث غسل الإناء سبع مرات من ولوغ [٥أ] الكلب، وتعفيره بالتراب (١)؛ فإن أبا هريرة (٢) الراوي له كان يفتي بثلاث. وكذا الكلام فيمن أصبح جنبا، وفي مواضع عديدة. فإن كان هذا التعلق المذكور نافعا فيلزم صاحب البحث - عافاه الله - أن يجعل قول كل صحابي حجة، ويقدمه على المرفوع، وما أراه يقول بذلك. ثم إذا سلمنا أن ابن مسعود إنما قال ذلك لأنه لم يكن عنده سنة مخالفة، فماذا ينفعنا هذا. غاية الأمر أن أفتي لعدم وجود النص لديه، فمن أين يستلزم هذا أن لا يكون ذلك اجتهادا منه؟ وأي قول لصحابي (٣) في كل جزء من جزئيات الشريعة لا يمكن أن يدعي فيه مثل هذا، ومن قد سبقه إلى مثل هذه المقالة، فإن أهل الأصول وغيرهم إنما جعلوا لأقوال الصحابة حكم الرفع إذا كان الشيء لا مجال للاجتهاد فيه (٤) كتقدير الجزاء، وعدد الركعات، والطوافات، والرمي للجمرات وما


(١) أخرجه مسلم رقم (٢٨٠) وأحمد (٤/ ٨٦) وأبو داود رقم (٧٤) والنسائي (١/ ١٧٧) وابن ماجه رقم (٣٦٥) والدارمي (١/ ١٨٨) والدراقطني (١/ ٦٥ رقم ١١) والبيهقي (١/ ٢٤١ - ٢٤٢) عن عبد الله بن مغفل. وهو حديث صحيح.
(٢) انظر المحلى (١/ ١١٤ - ١١٥).
(٣) تقدم قول الصحابي وتفصيل ذلك، وانظر: إرشاد الفحول ص ٧٩٧.
(٤) قول الصحابي حجة فيما لا يدرك بالرأي والاجتهاد، حجة عند العلماء لأنه محمول على السماع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون من قبيل السنة والسنة مصدر للتشريع. قال الإمام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم (١/ ٣٠): إذا قال الصحابي: كنا نفعل في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو في زمنه، أو هو فينا أو بين أظهرنا أو نحو ذلك فهو مرفوع. الإحكام للآمدي (٤/ ١٥٥ - ١٥٦).
نزهة الخاطر (١/ ٤٠٣ - ٤٠٦).