والوجه الثالث: من وجه الجواب بيان ما هو الذي يتوجه في حمل الأحاديث الواردة في المنع من المحاريب، على أن التفاسير للمحراب والذابح قد اختلف كما تقدم، والواجب حمل النهي على معنى مناسب لمقصود الشارع، ولا شك أن صدور المجالس محل للنهي عنها، لأن التنافس فيها، والتدافع دونها هو من محبة الشرف الذي ورد الحديث الصحيح بأنه يفسد دين المؤمن ويهلكه، وهو أيضًا صنع أهل الكبر والخيلاء والترفع، ومحبة العلو المخالف لقوله سبحانه:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا)[٤أ](١) وهكذا إذا حمل النهي على المذابح التي هي بيوت النصارى، أو المواضع التي يصلون فيها، لأن قربانها ربما يكون ذريعة إلى الفتنة، أو الوقوع في الشبة، أو التلوث بشيء من النجاسات. وهكذا إذا فسرت المذابح بمحاريب المساجد المجوفة، لأن في ذلك نوع تشبه بأهل الكتاب؛ إذ ذلك مختص بهم، لم يفعله نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ولا أحد من أصحابه الراشدين. والمخالفة لأهل الكتاب مقصد من مقاصد الشرع عظيم، ومطلب من مطالب الدين قويم، فهذه المعاني