للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان حكمه حكم من شربها وهو يسمها بلا خلاف بين المسلمين أجمعين، ولا شك أن النحر نوع من أنواع العبادة (١) التي تعبد الله بها كالهدايا، والفدايا، والضحايا، فالمتقرب بها إلى القبر، الناحر لها عنده لم يكن له غرض بذلك إلا تعظيمه وكرامته، واستجلاب الخير منه، واستدفاع الشر به (٢). وهذه عبادة وكفاك من شر سماعه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (٣).

وبعد [١٧] هذا كله أن ما سقناه من الأدلة، وما هو كالتوطئة لها، وما هو كالخاتمة التي تختم بها البحث يقضي أبلغ قضاء، ويدل أوضح دلالة ويفيد أجلى مفاد أن ما رواه صاحب البحر (٤) عن الإمام يحيى غلط من أغاليط العلماء، وخطأ من جنس ما يقع المجتهدين، وهذا شأن البشر، والمعصوم من عصمه الله (٥) وكل عالم يؤخذ من قوله ويترك مع كونه - رحمه الله - من أعظم الأئمة إنصافا،


(١) "في هامش (أ): والنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " لا عقر في الإسلام " قال عبد الرزاق - في مصنفه (٣ رقم ٦٦٩٠) - كانوا يعقرون عند القبر يعني بقرة أو شياها.
رواه أبو داود في " السنن (٣٢٢٢) بإسناد صحيح من حديث أنس.
(٢) قال الغزالي في " عقيدة المسلم " (ص٧٧): " أليس من المضحك أن تستنجد بقوم يطلبون لأنفسهم النجدة وأن تتوسل بمن يطلب هو كل وسيلة ليستفيد خيرا أو ليدفع شرا؟ قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) [الإسراء: ٥٧].
(٣) [البقرة: ١٥٦]
(٤) (٢ - ١٣٢).
(٥) عن مالك قال: " ليس أحد بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا يؤخذ من قوله ويترك ألا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (٢) وابن حزم في " الإحكام " (٦ - ١٤٦) من قول الحكم بن عتيبة ومجاهد.
وقيل أنه من قول ابن عباس أخذها مجاهد. وأخذها مالك - رضي الله عنه - منها.
"الفتاوى" السبكي (١).