للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحث الثاني

في الكلام على ما تمسك به المختلفون من المانعين والمجوزين.

استدل المانعون بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (١).

وتقرير الاستدلال ما يقيده قوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} فإن الإشارة إلى قوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فما غاير ذل فهو من الورى الذي لا يبتغيه إلا العادون، ويمكن أن يقال إنه لا عموم لهذه الصيغة ما هو مغاير للأرواح، وملك اليمين مغايرة أي مغايرة، وإلا لزم تحريم كل ما يبتغيه الإنسان، وهو مغاير لذلك، وإن كان الابتغاء لمنفعة من المنافع التي لا تتعلق بالنكاح، كالأكل والشرب. واللازم باطل بالإجماع، فلا بد من تقييد ذلك الابتغاء للورى، ومع


(١) [المؤمنون: ٥ - ٧]
قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (١٢/ ١٠٥ - ١٠٦): قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة، فتلا هذه الآية: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله: {الْعَادُونَ} وهذا لأنهم يكنون عن الذكر بعميرة، وفيه يقول الشاعر:
إذا حللت بواد لا أنيس به ... فاجلد عميرة لا داء ولا حرج
ويسميه أهل العراق الاستمناء، وهو استفعال من المني، وأحمد بن حنبل على ورعه يجوزه، ويحتج بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة أصله الفصد والحجامة، وعامة العلماء على تحريمه، وقال بعض العلماء: إنه كالفاعل بنفسه، وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة، وياليتها لم تقل. ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها.
فإن قيل: إنها خير من نكاح الأمة، قلنا: نكاح الأمة ولو كانت كافرة على مذهب بعض العلماء خير من هذا، وإن كان قد قال به قائل أيضا، ولكن الاستمناء ضعيف بالدليل عار بالرجل الدنيء، فكيف بالرجل الكبير.