للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير (١)، لاختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والأشخاص؛ فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض، وكذبك الأمكنة، فإن في بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين، وفي بعضها ثلاثا، وفي بعضها أربعا، وكذلك الأحوال؛ فإن حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من لمقدار الذي تستدعيه حالة الخصب، وكذلك الأشخاص، فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه، وبعضهم قد يأكل نصف صاع، وبعضهم ربع صاع، وبعضهم دون ذلك.

وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام، ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلما وحيفا، ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط، بل كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يحيل على الكفاية مقيدا لذلك بالمعروف، كما في حديث عائشة عند البخاري (٢)، ومسلم (٣) وأبي داود (٤)، والنسائي (٥) وأحمد بن حنبل (٦)، وغيرهم (٧) أن هندا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية (٨) مع التقييد


(١) انظر " المغني " (١١/ ٣٤٩ - ٣٥٠).
(٢) في صحيحه رقم (٥٣٦٤).
(٣) في صحيحه رقم (٧/ ١٧١٤).
(٤) في " السنن " رقم (٣٥٣٢).
(٥) في " السنن " (٨/ ٢٤٦).
(٦) في " المسند " (٦/ ٣٩، ٥٠).
(٧) كابن ماجه رقم (٢٢٩٣).
(٨) قال القرطبي في " المفهمم " (٥/ ١٦١): ويعني بالمعروف: القدر الذي عرف بالعادة أنه كفاية، وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا فهي مقيدة معنى، فكأنه قال: إن صح أو ثبت ما ذكرت فخذي.
قال الحافظ في " الفتح " (٩/ ٥٠٩): واستدل بهذا الحديث على:
١ - جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك، وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة.
٢ - جواز ذكر الإنسان بالتعظيم كاللقب والكنية، كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه، فلا بدل لقولها ": إن أبا سفيان " على إرادة التعظيم.
٣ - جواز استماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول أن صوتها عورة، ويقول: جاز هنا للضرورة.
٥ - وفيه أن القول قول الزوجة في قبض النفقة.
٦ - وفيهوجوب نفقة الزوجة وأنها مقدرة بالكفاية، وهو قول أكثر العلماء.