للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان (١).

وأما ما أجاب به عن الحديث بعض من لم يتمرن بعلم الأدلة، ويتدرب بمسالك الاجتهاد من أنه لم يكن منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - على طريقة الحكم بل على طريقة الإفتاء (٢)، فهذه غفلة كبيرة، وبعد عن الحقيقة، لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لا يفتي إلا بما هو حق وشرع، وقد تقرر أن السنة أقواله وأفعاله وتقرياته، لا مجرد أحكامه فقط، أي التي تكون بعد الخصومة، وحصول المتخاصمين، ولو كانت السنة ليست إلا الأحكام الكائنة على تلك الصفة لم يبق منها حجة على العباد إلا أقل من عشر معشارها؛ لأن صدور الحكم منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - على تلك الصفة إنما وقع في قضايا محصورة كقضية الحضرمي، والزبير (٣)، وعبد بن زمعة (٤)، ....................


(١) انظر " المغني " (١١/ ٣٤٩)، " المجموع " (٢٠/ ١٤٥).
(٢) قال المازري (٢/ ٢٦٥): نبه الناس في هذا الحديث على فوائد، منها: وجوب نفقة الزوجة ونفقة البنين.
ومنها: أن الإنسان إذا أمسك آخر حقه وعثر له على ما يأخذ منه، فإنه يأخذه لأنها ذكرت أنها تأخذ بغير علمه.
ومنها: جواز إطلاق الفتوى، والمراد تعليقها بثبوت ما يقول الخصم؛ لأنها ذكرت أنه يمنعها حقها فقال لها: " خذي " وهذه إباحة على الإطلاق ولم يقل: " إن ثبت ذلك " ولكنه هو المراد، ولهذا لا يقول كثير من المفتين في جوابهم: " إذا ثبت ذلك " ويحذفونه اختصارا.
(٣) أخرج البخاري رقم (٢٣٥٩، ٢٣٦٠) ومسلم رقم (٢٣٥٧) من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه " أنه اختصم هو أنصاري فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزلير: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى أخيك، فغضب الأنصاري، ثم قال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ".
(٤) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢٢١٨، ٢٥٣٣، ٤٣٠٣، ٦٧٦٥، ٧١٨٢) ومسلم رقم (٣٦/ ١٤٥٧) من حديث عائشة قالت: " اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي، فنظر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، وقال: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة.