للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمتلاعنين (١).

فإن قلت: ما وجه ما فعله كثير من القضاة في هذه الأزمنة من تقدير النفقة بقدح من الطعام متنوعا.

قلت: هو من تقدير الكفاية بالمعروف؛ لأن القدح يكفي غالب الأشخاص شهرا لا سيما في مثل صنعاء، فيكون للشخص في كل يوم نصف صاع يأتي المجموع في ثلاثين يوما خمسة عشر صاعا، وهي قدح ينقص صاعا، فهذا فيه ملاحظة للمعروف باعتبار الغالب، ولكن إذا انكشف أنه لا يكفي بأن يكون الشخص أكولا فلا يحل العمل بذلك الغالب؛ لأن فيه إهمالا لما أرشد إليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - من الكفاية، وهذا ليس فيه كفاية.

فالحاصل أنه لا بد من ملاحظة أمرين: أحدهما الكفاية، والثاني كونها بالمعروف، فإذا علم مقدار الكفاية كان المرجع في صفاتها إلى المعروف، وهو الغالب في البلد (٢)، وإذا لم يعلم حال الشخص في مقدار ما يكفيه، أو وقع الاختلاف (٣) بينه وبين من يجب عليه إنفاقه كان القول قول من يدعي ما هو المتعارف به، مثلا إذا قال من له النفقة لا يكفيه إلا قدحان، وقال من عليه النفقة: بل يكفيه قدح، كان القول قول من عليه


(١) انظر " فتح الباري " (٨/ ٤٤٩) و (٩/ ٣٦١).
(٢) انظر " المجموع " (٢٠/ ١٤٥).
(٣) قال ابن قدامة في " المغني " (١١/ ٣٥٢): ويرجع في تقدير الواجب إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه، إن لم يتراضيا على شيء، فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم، فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالهما. وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد، وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه لكل أحد على حسب حاله على ما جرت به العادة في حق أمثاله.