للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأزهار (١) من قول مؤلفه - رحمه الله -: ولا الفور إلا أن في التمليك (٢)، وغير (أن)، و (إذا) مع لم. والصيغة المذكورة هاهنا هي أن مع لم فهي للتراخي، ولكن قد صرح صاحب الأثمار (٣) بما يفيد أن مثل هذه الصيغة في المستحيلات للفور، ولفظ مختصر الأثمار هكذا: أولا الفور غالبا إلا نحو مني مع لم، وكلما مع لم، وأن في التمليك.

قال شارحه العلامة ابن بهران: وقوله: غالبا أي في غالب الأحوال، وقد يكون للفر نادرا، وذلك في الشرط المستحيل المنفي نحو إن (٤) لم تطلعي السماء فأنت طالق،


(١) (٢/ ٣٧٤ - السيل الجرار).
(٢) قال الشوكاني في " السيل الجرار " (٢ ٣٧٤):إن كان هذا الاقتضاء من هذا الحرف فهو محتاج إلى نقل عن أهل اللغة، وإن كان ذلك بخصوص كونها في التمليك فلا شك أنه لم يرد ما يدل على الفور في مثل قول الرجل لامرأته: طلقي نفسك إن شئت، فإن المشيئة كما يصح اعتبارها في الحال يصح اعتبارها في الاستقبال، وكذا قوله: " وغير " " إن " و" إذا " مع لم، فإنه لم يرد ما يدل على هذه الدعوى من شرع ولا لغة، وإن كان هذا الاقتضاء هو مجرد اصطلاح للمصنف وأهل محله، فلا مشاقة في الاصطلاحات.
(٣) تقدم التعريف به.
(٤) قال ابن قدامة في " المغني " (١٠/ ٤٤٣ - ٤٤٤): والحروف المستعملة للشرط وتعليق الطلاق بها سته: إن، وإذا، ومتى، ومن، وأي، وكلما. فمتى علق الطلاق بإيجاد فعل بواحد منها، كان على التراخي، مثل قوله: إن خرجت، وإذا خرجت، ومتى خرجت، وأي حين، وأي زمان، وأي وقت خرجت، وكلما خرجت، ومن خرجت منكن، وأيتكن خرجت فهي طالق. فمتى وجد الخروج طلقت، وإن مات أحدهمما، سقطت اليمين.
فأما إن علق الطلاق بالنفي بواحد من هذه الحروف، كانت" إن " على التراخي، زمتى، وأي، ومن، وكلما، على الفور. لأن قوله: متى دخلت فأنت طالق يقتضي أي زمان دخلت فأنت طالق. وذلك شائع في الزمان كله، فأي زمن دخلت وجدت الصفة. وإذا قال: متى لم تدخلي فأنت طالق. فإذا مضى عقيب اليمين زمن لم تدخل فيه، وجدت الصفة؛ لأنها اسم لوقت الفعل، فيقدر به، ولهذا يصح السؤال فيه، وجدت، الصفة، لأنها لوقت الفعل، فيقدر، ولهذا يصح السؤال به، فيقال: متى دخلت؟ أي: أي وقت دخلت. وأما " إن " فلا تقتضي وقتا، فقوله: إن لم تدخلي. لا يقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت، فهي مطلقة في الزمان كله، وأما إذا، ففيها وجهان، أحدهما على التراخي، وهو قول أبي حنيفة، ونصره القاضي؛ لأنها تستعمل شرطا بمعنى (إن) قال الشاعر:
استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل
فجزم بها كما يجزم بإن، ولأنها تستعمل بمعنى متى وإن، وإذا احتملت الأمرين فاليقين بقاء النكاح، فلا يزول بالاحتمال، والوجه الآخر أنها على الفور، وهو قول أبي يوسف، ومحمد، وهو المنصوص عن الشافعي لأنها اسم لزمن مستقبل، فتكون كمتى، وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها، فإن متى يجازى بها، ألا ترى إلى قول الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
و" من " يجازى بها أيضا، وكذلك " أي " وسائر الحروف، وليس في هذه الحروف ما يقتضي التكرار إلا كلما , وذكر أبو بكر في (متى) أنها تقتضي التكرار أيضًا لأنها تستعمل للتكرار بدليل قوله:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
أي: في كل وقت، ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء، ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه، والصحيح أنها لا تقتضيه؛ لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا، فلا تقتضي ما لا يقتضيانه، وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره، مثل إذا وأي وقت، فإنهما يستعملان في الأمرين، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ٥٤].
قوم إذا الشر أبدى ناجزيه لهم ... صاروا إليه زرافات ووحدانا
وكذلك أي وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار، وسائر الحروف يجازى بها، إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره، لا تحمل على التكرار إلا بدليل، كذلك (متى).
وانظر " المجموع " (١٨/ ٢٩٧ - ٢٩٨).