للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشيئته مانع، فيلجأ المكلف إلى فعل سبب الطلاق والعتاق، فمهما لم يفعل الحالف السبب يعرف أن الله لا يشاء الوقوع، ولكن التخصيص بمشيئة القسر والإلجاء غير ظاهر، ويلزم منه حمل ما أطلق من مشيئته تعالى على ذلك، وهو باطل عقلا ونقلا.

وأما من قال: إن التعليق بالمشيئة بمنزلة إرادة تسهيل الأسباب، ودفع العوائق، فحجته أن الله إذا كان مريدا للسبب يسره للعبد وسهله، وأزال الموانع، فإذا لم يحصل التسهيل والتيسير، وحالت دون السبب الموانع تبين أن الله لا يشاء ذلك الأمر المعلق بالمشيئة، وهذا يؤول إلى المذهب الذي قبله، وفيه ما فيه. نعم، إن أراد الحالف بالتقييد بالمشيئة هذا المعنى، أعني التسهيل عند التلفظ بها كان له وجه، وأما إذا أراد نفس المشيئة، واستدل بالتيسير والتعسير على الحصول وعدمه، فبعيد جدا.

وأما قول من قال: إنه يعتبر في المشيئة وعدمها العلم بأن الله يريد ذلك أو لا يريده، فقال: يعرف ذلك بأدلة أخرى، مثلا إذا كان طلاق زوجته (١) محظورا أو مكروها، فالله - جل جلاله - لا يريد طلاقها، وإن كان واجبا أو مندوبا فالله - جل جلاله - يريد ذلك، وكذلك اليمين على فعل أمر أو تركه، إن كان الله مثلا مريدا لحصول ذلك الأمر، كأن يكون خيرا، وقعت اليمين على الفعل، ولم تقع على الترك، وإن كان شرا لم تقع


(١) قال الحافظ في " الفتح " (٩/ ٣٤٦): الطلاق في اللغة حل الوثاق، مشتق من الإطلاق، وهو الإرسال والترك، وفلان طلق اليد بالخير، أي كثير البذل. وفي الشرع: حل عقدة التزويج فقط، وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي. قال إمام الحرمين: هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره.
ثم الطلاق قد يكون حراما أو مكروها أو واجبا أو مندوبا أو جائزا.
أما الأول: ففيما إذا كان بدعيا، وله صور.
وأما الثاني: ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال.
وأما الثالث: ففي صور، منها: الشقاق، إذا رأى ذلك الحكمان.
وأما الرابع: ففيما إذا كانت غير عفيفة.
وأما الخامس: فنفاه النووي، وصوره غيره إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع.