للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الفعل، وتقع على الترك. فهذا وإن كان أقوى من المذهبين اللذين قبله لكنه مرجوح باعتبار المذهب الذي سردنا أدلته لما قدمنا من الأحاديث المصرحة بأن اليمين إذا علقت بالمشيئة لم يكن لها حكم من الأصل؛ وهي أخص مطلقا من الأدلة القاضية بلزوم حكم الأيمان، فيبنى العام على الخاص. وأيضا نرد على هذا المذهب الأخير، أنا لو سلمنا إمكان الاستدلال على مشيئة الله تعالى فيما كان فعله راجحا كالواجب والمندوب، وما كان فعله مرجوحا كالمحظور والمكروه، لم يمكن معرفة المشيئة في المستوي، كالمباح، وكذلك الملتبس لأمر من الأمور، كتعارض الأدلة ونحوها، لا يقال: قد وقع الطلاق المشروط فيلزم وقوع الطلاق الخارج مخرج اليمين، لأنا نقول:

أولاً: في وقوع الطلاق (١) المشروط نزاع طويل بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء.

وثانيًا: إنه إنما وقع المشروط عند من قال به؛ لأن الشرط قيد للجزاء، والطلاق الخارج مخرج اليمين ليس كذلك، فإنه ليس قيدا لحكم جوابه، بل هو مؤكد له، فلو وقع لوقع قبل الجواب، لأنه مطلق لا مقيد، وكذا جوابه ليس قيدا له، بدليل وجوب الكفارة عند انتفاء جوابه.

وثالثًا: إن قياس الطلاق الخارج مخرج اليمين على الطلاق المشروط (٢) بعد تسليم


(١) انظر الرسالة رقم (١٠٥) من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني هذا.
(٢) قال الماوردي في " الحاوي الكبير " (١٣/ ١٣٣): وأما الجواب عن قياسهم على تعليق طلاقها بصعود السماء، فهو: أن أصحابنا قد اختلفوا في وقوعه على وجهين:
أحدهما: لا يقع، لأنه مقيد بشرط لم يوجد، فأشبه غيره من الشروط التي توجد، ألا تراه لو قال: أنت طالق إن شاء زيد، وزيد ميت، لم تطلق، وإن كان مقيدا بشرط لم يوجد، فعلى هذا يبطل الاستدلال به.
الوجه الثاني: أن الطلاق يقع والشرط يلغى لاستحالته، وأنه في الكلام لغو وليست مشيئة الله مستحيل، ولا الكلام بها لغو، بل قد أمر الله تعالى بها وندب إليها، بقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤].