للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآيات بين أن تكون هذه الثلاث مجموعة أو مفرقة، فدلت على وقوع الثلاث دفعة واحدة.

قلنا: هذه عمومات قد خصصت بأدلة صورة النزاع السابقة، أو إطلاقات قد ثبتت بالآية النازلة على سبب مبين للمراد، وهي: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (١) وبالسنة النبوية.

قالوا في الصحيحين (٢) أن عويمر العجلاني طلق امرأته ثلاثا بحضرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يأمره بطلاقها، فدل على جواز الثلاث ووقوعها.

قلنا: إنما سكت - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لأن الملاعنة تبين بنفس اللعان، وهذا تكلم بكلام من قبل نفسه لا محل له، فكأنه طلق أجنبية، ولا يجب إنكار مثل ذلك، فلا يكون السكوت عنه تقريرا (٣).

قالوا: في البخاري (٤) عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا طلق امرأته فتزوجت فسئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هل تحل للأول؟ فقال: " لا حتى يذوق


(١) [البقرة: ٢٢٩].
(٢) البخاري في صحيحه رقم (٥٢٥٩) ومسلم في صحيحه رقم (١٤٩٢).
قال الأمير الصنعاني في " سبل السلام " (٦/ ١٦٧): واستدلوا بما في الصحيحين أن عويمرا العجلاني طلق امرأته ثلاثا بحضرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينكر عليه، فدل على إباحة جمع الثلاث وعلى وقوعها، وأجيب بأن هذا لتقرير لا يدل على الجواز ولا على وقوع الثلاث لأن النهي إنما هو فيما يكون في طلاق رافع لنكاح كان مطلوب الدوام، والملاعن أوقع الطلاق على ظن أنه بقي له إمساكها، ولم يعلم أنه باللعان حصلت فرقة الأبد سواء كان فراقه بنفس اللعان، أو بتفريق الحاكم، فلا يدل على المطلوب.
قال الحافظ في " الفتح " (٩/ ٣٦٧): " وقد تعقب بأن المفارقة في الملاعنة وقعت بنفس اللعان فلم يصادف تلطيقه إياها ثلاثا موقعا، وأجيب بأن الاحتجاج به من كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر عليه إيقاع الثلاث مجموعة، فلو كان ممنوعا لأنكره، ولو وقعت الفرقة بنفس اللعان.
(٣) انظر التعليقة السابقة.
(٤) في صحيحه رقم (٥٢٦١).