للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عسيلتها كما ذاق الأول "، فلم ينكر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تلك، وهو دليل على إباحة الثلاث ووقوعها (١).

قلنا: لا دليل فيه على مطلوبكم، بل غايته وقوع احتمال الثلاث مفرقة على الوجه المشروع الذي لا ينكره، ومجتمعة، والمحتمل لا يثبت به الحجة في محل النزاع، على أنا لو سلمنا لكم اجتماعها لم يستلزم ذلك التسليم تقرير مجموعها، بل الظاهر تقرير مطلق الوقوع.

قالوا: في الصحيحين (٢) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس


(١) قال القرطبي في " المفهم " (٤/ ٢٤٤ - ٢٤٥): وحجة الجمهور في اللزوم من حيث النظر ظاهر جدا، وهو أن المطلقة ثلاثا لا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره، ولا فرق بين مجموعها ومفرقها لغة وشرعا، وما يتخيل من الفرق صوري ألغاه الشرع اتفاقا في النكاح والعتق والأقارير، فلو قال الولي: أنكحتك هؤلاء الثلاث في كلمة واحدة انعقد، ك ما لو قال: أنكحتك هذه وهذه وهذه، وكذا اعتق والإقرار وغير ذلك من الأحكام، واحتج من قال: إن الثلاث إذا وقعت مجموعة حملت على الواحدة بأن من قال: أحلف بالله ثلاثا لا يعد حلفه إلا يمينا واحدة، فليكن المطلق مثله، قال الحافظ في " الفتح " (٩/ ٣٦٥): " وتعقب باختلاف الصيغتين، فإن المطلق ينشئ طلاق امرأته وقد جعل أمد طلاقها ثلاثا، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا، فكأنه قال: أنت طالق جميع الطلاق. وأما الحلف فلا أمد لعدد أيمانه فافترقا.
وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء، أعني قول جابر: إنها كانت تفعل ذلك في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، فقال: ثم نهانا عمر عنها فانتهينا، فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما. وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق، والله أعلم.
انظر: " المغني " (١٠/ ٣٣٠ - ٣٣٤).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٤٨٠) ولم يخرجه البخاري.
قال الأميري الصنعاني في " سبل السلام " (٦/ ١٦٨): وأجيب عنه بأنه ليس في الحديث تصريح بأنه أوقع الثلاث في مجلس واحد فلا يدل على المطلوب.
قالوا: عدم استفصاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل كان في مجلس أو مجالس دال على أنه لا فرق في ذلك. ويجاب عنه بأنه لم يستفصل لأنه كان الواقع في ذلك العصر غالبا عدم إرسال الثلاث كما تقدم، وقولنا: غالبا، لئلا يقال قد أسلفنا أنها وقعت الثلاث في عصر النبوة، لأنا نقول: نعم، لكن نادرا.