للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلوم الشرعية عرف ما لأهلها من الاصطلاحات الدائرة بينهم، وليس ذلك من الحقائق الشرعية التي تحمل عليها خطابات الشرع في ورد ولا صدر.

فالحاصل أنه يجب عند الاختلاف في معنى لفظ من ألفاظ الكتاب والسنة أن يبحث عن كلام أهل اللغة في كتبهم المدونة لهذا الشأن، ويفسر ذلك اللفظ به إذا لم يتقرر بوجه صحيح مقبول أن الشارع قد هجر لغته ولغة العرب الذين قومه في ذلك الفظ بخصوصه، ونقله إلى معنى مشهور معروف عند أهل الشرع، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج (١)، ونحو ذلك.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنه لم يشتهر عند المتشرعين أن للغرر المذكور في أحاديث بيع الغرر معنى شرعيا يخالف المعنى اللغوي، وجميع ما نقله العلامة الشرفي هي معان لغوية لكن منهم من جاء بعبارة عامة بحيث يندرج تحتها جميع أنواع الغرر، وبعضهم اقتصر على بعض من ذلك، فمن الناقلين للمعنى العام القاضي عياض (٢) حيث قال: الغرر في اللغة هو ما له ظاهر محبوب، وباطن مكروه. فإن هذا المعنى يشمل كل نوع من أنواع الغرر، وهو مثل ما نقله صاحب النهاية (٣) في تفسير الغرر، فإنه قال: هو ما كان له ظاهر يغري المشتري، وباطن مجهول. ونقل عن الأزهري (٤) أنه قال: بيع الغرر ما كان على غير عهد ولا ثقة، ويدخل فيه البيوع التي لا تحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول.

انتهى.

وهذا هو المعني الأول في العموم، وهكذا قول القرافي (٥) أصل الغرر هو الذي لا


(١) هذه الألفاظ كانت معلومة لهم ومستعملة عندهم في معانيها المعلومة ومعانيها الشرعية ما كانت معلومة لهم. " البحر المحيط " (٢/ ١٥٨).
(٢) ذكر الحافظ في الفتح (٤/ ٣٥٦).
(٣) (٣/ ٣٥٥).
(٤) في " تهذيب اللغة " (١٦/ ٨٣ - ٨٤).
(٥) انظر "فتح الباري " (٤/ ٣٥٧).
قال الخطابي في " معالم السنن " (٣/ ٦٧٢): أصل الغرر هو ما طوى عنك علمه، وخفي عليك باطنه وسره، وهو مأخوذ من قولك طويت الثوب على غرة أي: على كسر الأول وكل بيع كان المقصود منه مجهولا غير معلوم ومعجوزا عنه غير مقدور عليه فهو غرر، وذلك مثل أن يبيع سمكا في الماء أو طيرا في الهواء، أو لؤلؤة في البحر، أو عبدا آبقا، أو جملا شاردا، أو ثوبا في جراب لم يره، ولم ينشره، أو طعاما في بيت لم يفتحه، أو ولد بهيمة لم يولد، أو ثمرة شجرة لم تثمر في نحوها من الأمور التي لا تعلم ولا يدري هل تكون أم لا فإن البيع فيها مفسوخ.
وإنما نهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه البيوع تحصينا للأموال أن تضيع وقطعا للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها.
وأبواب الغرر كثيرة وجماعها ما دخل في المقصود منه الجهل.