الخطاب الخاص بواحد من الأمة إن صرح بالاختصاص به كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدي " - تقدم تخريجه - فلا شك في اختصاصه بذل المخاطب وإن لم يصرح فيه بالاختصاص بذلك المخاطب مذهب الجمهور إلى أنه مختص بذلك المخاطب ولا يتناول غيره إلا بدليل من خارج. وقال بعض الحنابلة وبعض الشافعية أنه يعم بدليل ما روى من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " وما روى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة ". ولا يخفى أن الاستدلال بهذا خارج محل النزاع فإنه لا خلاف أنه إذا دل دليل من خارج على أن حكم غير ذلك المخاطب كحكمه كان له حكمه بذلك الدليل. وإنما النزاع في نفس تلك الصيغة الخاصة هل تعم بمجردها أم لا. فمن قال أنها تعم بلفظها فقد جاء بما لا تفيده لغة العرب ولا تقتضيه وبجه من الوجوه. قال القاضي أبو بكر هو عام بالشرع لا بوضع اللغة للقطع باختصاصه به لغة. قال إمام الحرمين الجويني - في البرهان (١/ ٣٧٠) -: لا ينبغي أن يكون في هذه المسألة خلاف إذا لا شك أن الخطاب خاص لغة بذلك الواحد، ولا خلاف أنه عام بحسب العرف الشرعي وقيل بل الخلاف معنوي لا لفظي لأنا نقول الأصل ما هو؟ هل هو مورد الشرع أو مقتضي اللغة؟ قال الصفي الهندي: لا نسلم أن الخطاب عام في العرف الشرعي. قال الزركشي في " البحر المحيط " (٣/ ١٩١): " والحق أن التعميم منتف لغة ثابت شرعا والخلاف في أن العادة هل تقتضي بالاشتراك بحيث يتبادر فهم أهل العرف إليها أولا، فأصحابنا - يعني الشافعية - يقولون لا قضاء للعادة في ذلك كما لا قضاء للغة. والخصم يقول إنها تقضي بذلك " اهـ. قال الشوكاني بعد ذلك: والحاصل في هذه المسألة على ما يقتضيه والحق يوجبه بالإنصاف - عدم التناول لغير المخاطب من حيث الصيغة، بل بالدليل الخارجي. وقد ثبت عن الصحابة فمن بعدهم الاستدلال بأقضيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخاصة بالواحد أو الجماعة المخصوصة على ثبوت مثل ذلك لسائر الأمة، فكان هذا مع الأدلة الدالة على عموم الرسالة وعلى استواء أقدام هذه الأمة في الأحكام الشرعية مفيدا لإلحاق غير ذلك المخاطب بذلك. فعرفت بهذا أن الراجح التعميم حتى يقوم دليل التخصيص، لا كما قيل أن أراجح التخصيص حتى يقوم دليل التعميم لأنه قد قام كما ذكرناه.