للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال - كثر الله فوائده -: فإنه دفع في وجه التعليل النبوي ... إلخ.

أقول: بل هو جمع بين الأدلة الشرعية؛ إذ لا معارضة عند التحقيق، فإن رزق البعض (١) من البعض لا ينافيه ثبوت الخيار عند وجود مسمى الغرر، لا عقلا، ولا شرعا، ولا عرفا، لأن غاية ما علل به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ما قاله من النهي عن بيع الحاضر للبادي أنه يرزق الله بعض العباد من بعض إذا باع البادي لنفسه بنفسه، وذلك إما لكون الغالب على أهل البادية السماحة، فلا يكثرون المماكسة، ولا يطيلون المماحكة مع كونهم يعلمون أنهم لو صنعوا في بيوعاتهم ما يصنعه الحاضر من كثرة التحسين والتزيين والانتظار إلى وقت الغلاء، والتربص لوقت النفاق لباعوا بثمن مثل الثمن الذي يبيعه الحاضر به، ولكنهم يتسامحون وتطيب أنفسهم بدون ذلك ولا غرر عليهم، ولا مخادعة لهم.

وقد أشرنا إلى هذا المعنى في تلك الرسالة (٢)، وهو ما يستلزم ما فهمه - عافاه الله - من أن الحديث دليل على ما استدل به عليه، لأنه لا غرر أصلا، فكيف يجزم بأن مثل هذا الوجه دفع في وجه التعليل النبوي! وهو عنه أجنبي. ثم قلنا في تلك الرسالة: وعلى تقدير أنهم باعوا جاهلين

إلخ.، وهذا أيضًا لم يدفع في وجه التعليل النبوي ولا معارض له، بل هو جمع حسن، وترجيح مقبول.

قال - كثر الله فوائده - فإن هذه الاجتهادات لا تسوغ ... إلخ.

أقول: قد أطال -أطال الله بقاءه - الكلام هاهنا في غير طائل، فإنه لا يخفى عليه ولا على ذي فهم وعلم أن حكم الحاكم إثباتا ونفيا إذا تعلق بالاطلاع على قيمة العين المتنازع فيها في غبن أو غيره أنه لا يتمكن الحاكم من الحكم، ولا يرتفع النزاع بين الخصمين إلا بالرجوع إلى تقويم العدول؛ إذ لم يرد في هذه الشريعة المطهرة أن قيمة تلك


(١) تقدم في الرسالة رقم (١١٠) وانظر الرسالة رقم (١١٢).
(٢) رقم (١١٠).