للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العين كذا، وانقطع الوحي بعد عصر النبوة، فلم يبق إلا الرجوع إلى التقويم العدول، وليس هذا بمستنكر عند المتشرعين، فقد شرع الله الرجوع إلى حكم العدول في جزاء الصيد فقال: [يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ] (١)، وقال في الخصومة العارضة بين الزوجين: [فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا] (٢) فالحاكم الذي لا يجد سبيلا إلى الخصومة بين الخصمين إلا بتقويم العدول لا يكون أمره بالتقويم من الاجتهاد الذي لا يسوغ، بل من الإقتداء بما شرعه الله في كتابه العزيز، هؤلاء العدول لا يكون لم يتعين عليهم القيام بذلك التقويم، ولا هو فرض عين عليهما، ولا كلفهما الله سبحانه به، وفى الدنيا من يحسن هذا التقويم غيرهما، بل في كل قرية جماعة، فهما إذا طلبا الأجرة أو امتنعا من التقويم إلا بها لم يكن تعيين الحاكم لها مخالفة للشريعة بل المخالف للشريعة المبنية على العدل هو إتعاب النفوس قسرا أو قهرا بلا أجر، ومطل العاملين بلا وجه شرعي، ولا حجة نيره فالحاكم إذا ألزم الخصمين (٣) أو أحدهما بتسليم أجرة العدول المقومين موزعا ذلك على حسب ما حصل للغريمين من جلب النفع، ودفع الضر ليس يجتهد اجتهادا لا يسوغ، والمفروض أنه لم يطلب التقويم أحد الخصمين بل طلبه الحاكم لرفع الخصومة، ودفع الشجار إقتداء بتحكيم الحكمين في جزاء الصيد. وقد حلت أجرة الشهود الذين يشهدون بما قد وجب عليهم تأديته إذا احتاجوا إلى قطع مسافة، أو مزاولة، فكيف لا يحل الأجرة لعمل المقومين مع كونه لم يجب عليهم ذلك التقويم، ولا تقدم لهم ما يوجبه عليهم! والأمر في هذا واضح.

وإلى هنا انتهى الكلام على اعتراضات العلامة الشرفي - كثر الله فوائده - التي كتبها


(١) [المائدة:٩٥].
(٢) [النساء: ٣٥].
(٣) انظر " المغني " (١٤/ ٩ - ١٢).