للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلة؛ وهي كون البادي يظنه للبيع برخص، فيتسبب عنه ارتزاق الحاضر (١)، وذلك لأن من كان باديا في بعض الأوقات يجهل كيفية التعامل والتبايع في ذلك الوقت الذي يكون فيه باديا، وإن كان يسيرا مهما أمكن التجويز فيه، فلا وجه لجعل النهي مختصا من كان باديا دائما.

فإن قلت تقسيم النظر إلى العلة يستلزم دخول من كان من أهل الحاضر غير عالم


(١) قال القرطبي في " المفهم " (٤/ ٣٦٧ - ٣٦٨): وظاهر هذا النهي العموم في جميع أهل البوادي، أهل العمود وغيرهم، قريبا كانوا من الحضر أو بعيدا، كان أصل المبيع عندهم بشراء أو كسب، وإليه صار غير واحد، حمله مالك على أهل العمود ممن بعد منهم عن الحضر، ولا يعرف الأسعار، إذا كان الذي جلبوه من فوائد البادية بغير شراء إنما قيده مالك بهذه القيود نظرا إلى المعني المستفاد من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض " وذلك، أن مقصوده أن يرزق أهل الحاضرة بأهل البادية، بحيث لا يضر ذلك بأهل البادية ضررا ظاهرا. وهذا لا يحصل إلا بمجموع تلك القيود وبيانه: أنهم إذا لم يكونوا أهل عمود كانوا أهل بلاد وقرى، وغالبهم يعرف الأسعار. وإذا عرفوها صارت مقاديرها مقصودة لهم. فلهم أن يتوصلوا إلى تحصيلها بأنفسهم أو بغيرهم. وإذا كان الذي جلبوه عليهم بالشراء فهم تجار يقصدون الأرباح فلا يحال بينهم وبينها. فلهم التوصل إليها بالسماسرة وغيرهم، وأما أهل العمود والموصوفون بالقيود المذكورة. فإن باع لهم السماسرة وغيرهم ضروا بأهل الحاضرة في استخراج غاية الأثمان، فيما أصله أهل البادية بغير ثمن، فقصد الشرع أن يباشروا بيع سلعهم بأنفسهم ليرتزق أهل الحاضرة بالرخص فيما لا ضرر على أهل البادية فيه. وأعرض الشرع عما يلحق أهل البادية في ذلك دفعا لأشد الضررين وترجيحا لأعظم المصلحتين.
وانظر " فتح الباري " (٤/ ٤٣٧).
وقال ابن قدامة في " المغني " (٦/ ٣٠٩): " والمعني في ذلك أنه متي ترك البدوي يبيع سلعته، اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر فإذا تولى الحاضر بيعها، وامتنع من بيعها، إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد.