للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث (١)، فهذا معلوم لكل من يعرف لغة العرب، ويعرف معنى الإشارة، ويعرف ما في قوله: هذه الأصناف من العموم الشمولي المحيط بكل واحد منها، بحيث لا يخرج عنها واحد إلا بمخرج يقتضيه لغة، أو شرعا.

وإذا كان الأمر هكذا فواجب علينا العمل بما أفادته هذه العبارة النبوية، والوقوف عند هذه الإفادة، وحرام علينا مخالفتها بمجرد الرأي، ومحض الشبه التي لم يسوغ الشارع العمل بها، ولا جوز الالتفات إليها، على تقدير أنها لم تقع معارضة للدليل الصحيح، فكيف إذا وقعت معارضة له مخالفة لمدلوله، منافية لمضمونه! ولم يرد ما يصلح لتخصيص ما أفادته هذه العبارة النبوية، إلا ما ثبت في الصحيح (٢) وغيرهما من حديث عائشة قالت: " قالت اشترى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ومن يهودي طعاما بنسيئة، وأعطاه درعا له رهنا " فأن هذا الحديث يفيد أن الرهن يقوم مقام التقابض في المختلفين جنسا، وأما ما قيل من أنه لا يعقل التفاضل والاستواء إلا مع الاتفاق في التقدير (٣)


(١) تقدم من حديث " عبادة بن الصامت " بألفاظه.
(٢) تقم تخريجه.
(٣) لا خلاف في جواز التفاضل في الجنسين تعلمه إلا عن سعيد بن جبير - تقدم رده.
قال ابن قدامة في " المغني " (٦/ ٦٢): وفى لفظ: " إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " ولأنهما جنسان، فجاز التفاضل فيهما، كما لو تباعدت منافعها، ولا خلاف في إباحة التفاضل في الذهب والفضة من تقارب منافعها، فأما النسا، فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة، كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون والمطعوم بالمطعوم، عند من يعلل به فإنه يحرم بيع أحدهما بالآخر نساء بغير خلاف نعلمه وذلك لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد ".
وفي لفظ: " لا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير، والشعير أكثرهما يدا بيد، وأما النسيئة فلا ". إلا أن يكون أحد العوضين ثمنا، والآخر مثمنا، فإنه يجوز النساء بينهما بغير خلاف، لأن الشرع أرخص في السلم والأصل في رأس المال الدراهم والدنانير، فلو حرم النساء ههنا لانسد باب السلم في الموزونات في الغالب.
فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون، مثل بيع اللحم بالبر ففيهما روايتان:
إحداهما: يحرم النساء فيهما وهو الذي ذكره الخرقي ههنا لأنهما مالان من أموال الربا، فحرم النسا فيهما، كالمكيل بالمكيل.
والثانية: يجوز النساء فيهما وهو قول النخعي، لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل، فجاز النساء فيهما، كالثياب بالحيوان.