للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصرفت الطرق ومن قوله: " إذا كان طريقهما واحدة ". وإن قال: بينهما عموم وخصوص من وجه، فهو [يقتضي] (١) المنافاة في البعض، فكيف قال: لا منافاة بينهما!.

وبالجملة فهو كلام عن التحقيق بمعزل، من الصواب في جانب آخر.

فإن قلت: إذا كان الجوار غير ملاصق، والطريق واحدة (٢) فهل تثبت الشفعة أم لا؟

قلت: نعم لما قدمنا تحقيقه، إذ الاشتراك في طريق اشتراك بعض ما يعد من الشيء الذي إليه تلك الطريق، فالطريق لم يقسم وهي جزء من العين، وعدم قسمة جزء من أجزاء الشيء يستلزم عدم قسمة ذلك الشيء فقد اشتركا في [قسمة] (٣) جزء من أجزاء الدارين، وإن لم يكونا ملاصقين، بخلاف مجرد الملاصقة بعد وقوع الحدود وتصريف الطرق، فإنه لا يصدق على ذلك أنه شيء لم يقسم، بل هو شيء مقسوم. فلم يبق سبب للشفعة، فقول السائل - كثر الله فوائده -: إنه أشكل عليه اشتراط أهل


(١) في (ب) مقتضي.
(٢) ذهب إلى اشتراط هذا بعض العلماء قائلا بأنها تثبت الشفعة للجار إذا اشترك في الطريق.
قال ابن شبرمة، والثوري، وابن أبي ليلي، وأصحاب الرأي الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم الجوار وقال أبو حنيفة: يقدم الشريك فإن لم يكن وكان الطريق مشتركا، كدرب لا ينفذ، تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب، فإن لم يأخذوا، ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة.
انظر " المغني " (٧/ ٤٣٧)، " المجموع " (١٥/ ٨٠ - ٨٣).
قال ابن القيم في " إعلام الموقعين " (٢/ ١٥٠): وهو أعدل الأقوال.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وحديث جابر هذا صريح فيه فإنه أثبت الشفعة بالجوار مع اتحاد الطريقين ونفاها به في حديثه الآخر مع اختلافهما حيث قال: " فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " فمفهوم حديث جابر هذا هو بعينه منطوق حيث المتقدم، فأحدهما يصدق الآخر ويوافقه، ولا يعارضه ولا يناقضه، وجابر روى اللفظين فتوافقت السنن وائتلفت بحمد الله.
وانظر: " الحاوي الكبير " (٩/ ٩ - ١٤).
(٣) زيادة من (أ، جـ).