للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنها ـ وم يجلْ أبن أُبيٍّ لمصلحةٍ رآها كما وري (١)، وكلُّه لما بني عليه الكتابُ والسنةُ من الشريعةِ السمحةِ على أن التحجُّر الذي نحن بصدد ذِكْرِه. لم يكن في كلمةُ المخالفةِ والمنعِ الكاملِ لمن يريد، لأنَّ هذه حدودٌ هي لأهلها لا يَرِدُ عليها غيرُهم مما لنا، فالقسمةُ بينَهم لأجل سَبْقِهم إليه وهؤلاء قد سبقوا إلى تحجُّر ما عمروهُ وتحجروه محيطيًا وفرعًا وغيرهما والسبقُ من حيث الحقَّ كما دل عليه حديثُ أبي داودَ: "من سبق إلى ما لم يَسْبِقْ إليه مسلمٌ فهو له" (٢). أخرجه أبو داود.

وهاهنا يسلِّمُ الجوابَ سيدي العلامةُ ـ تولاه الله ـ لأنه دليلُه على المنع، ثم صرَّح بقلمه بما يقطع يقطع مادةَ اعتراضه بقوله ـ تولاه الله تعالى ـ، فدلَّ على أنَّ من سبقَ إلى شيء من الكلأ لم يَسْبِقْ إليه غيره بإحياء، ولا تحجُّرٍ، ولا قطْعٍ كان أحقَّ به، والحدود تستلزمُ أنَّ ما كان في الحد فهو لصاحبه، فقد جرى ما نريدُه على لسانه وكفانا مَؤُنَةَ التطويل.

قلتُ: وقوله ـ تولاه الله تعالى ـ أنَّ جميع الأدلة [٣أ] مخالفةٌ لما شرعه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ القياسَ أحدُ أدلةِ شريعته ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ المطهرة، ولم يخالف فيه إلاَّ من شد كالنَّظَّامِ (٣) والخوارجِ، كيف وقد نبَّه عليه في قياس العكس في وضع الشهور الحرام مما ذكره في شرح جمع الجوامع (٤) للمحلي وقوله أو التوالي كان على قصد دين في خبر الخثعمية (٥).


(١) انظر "المغني" (٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أول من باح بإنكار القياس ونفيه النظام وتابعه قومٌ من المتزلة كجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ومحمد بن عبد الله الإسكافيِّ وتابعهم على نفيه في الأحكام داودُ الظاهري.
(٤) (٢/ ٢٠٦).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (١٩٥٣) ومسلم رقم (١٥٤/ ١١٤٨) من حديث ابن عباس. وانظر الرسالة رقم (١٣٣).