للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنقول: بل موافقةٌ، لأنَّه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قد اعتبر المصحلةَ الدافعةِ للضررِ في هذا الباب، الأمرُ إلى فعلِه في قصةِ أبيضَ بنِ حمالٍ حَبْر وفد إلى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "فأقطعَهُ الملحَ بعد أنْ سأَله فلما ولي قال رجلٌ في المجلس: أتدري ما أقطتَه الماء العدَّ قال: فانتزعه رسولُ الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وسأله عما يحمي من الأراكِ، فقال: "ما لم تنلْه أخفافُ الإبلِ".

رواه الترمذيُّ (١)، ففيه أنه لا يجوزُ إقطاعُ الحقِّ العام إنْ أدَّى إلى الضررِ وحيث لا ضررَ أجازه، ولهذا أقطَعه ما لم تَنَلْهُ أخفافُ الإبلِ.

قلتُ: الماءُ العدُّ هو الماء الدائمُ (٢) الذي لا ينقطع (٣)، وجمعه إعدادٌ، ونهيُهُ عن حمى الأراك إلاَّ ما لم تنلْه أخفافُ الإبل أي لم تبلغْه أفواهها بمشيها إليه وقال: الأصمعي: الخفُّ الجملُ المسِنُّ والجمعُ أخفافٌ، أي ما مرَّتْ من المرعي لا يُحْمَى بل يتركُ لمسانّ الإبلِ، وما في معناها من صغار الإبل التي لا تقوى على الإمان في طلب المرعي.

ذكره في نهايةِ ابن الأثيرِ (٤). فالمتحجَّر في الحدود، ولا ضرر فيه، لأنَّ كلَّ أحدٍ قد رضي بما يليهِ، ولا ضرر فيه على سائر المسلمين، فالذي فهمنا من تجنبه النصَّ أنَّ بيعَ الحِمى لأجْلِ الضررِ، والحدودُ شُرِعَتْ لدفع الضَّررِ المؤدي إلى سَفْكِ الدماء على وجهٍ لا يمكنُ إجراءُ أحكامِ الشريعة فيهم، ولم يكن مخالفًا للأدلة؛ لأنَّ القياس (٥) المرسلَ قد أسستْ عليه كثيرٌ من أحكام الشريعةِ، وهو قريب من .........................


(١) أخرجه في "السنن" رقم (١٣٨٠) وقال: حديث حسن غريب.
وأبو داود رقم (٣٠٦٤) وابن ماجه رقم (٢٤٧٥) وهو حديث حسن.
* الماء العِدُّ: بكسر العين: الدائم الذي لا انقطاع له مثل ماء العين وماء البئر.
" النهاية " (٣/ ١٨٦).
(٢) انظر "النهاية" (٣/ ١٨٦).
(٣) انظر "النهاية" (٣/ ١٨٦).
(٤) (٢/ ٥٥).
(٥) تقدم ذكره.