للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: هذا فَرَضُ ما لم يقعُ ولا يُسْمَعْ به. قال ـ رضي الله عنه ـ: ومن هنا يُعْلَمُ بطلانُ استدلالِ بعضِ المتأخرينَ على جواز تغريمِ أهل قريةٍ من القرى، أو مدينة من المدن ما يوجد في حدودهم أو طرقِهم الخاصةِ بهم، أو العامَّةِ لهم ولغيرهم من جناياتٍ، وأموالٍ منهوبةٍ، أو نفوسٍ مسلوبةٍ، حيث لا تصحُّ القسامةُ الشرعيةُ بما فعله الله تعالى من معاقبةِ قوم عاقرِ الناقةِ، وشمولِ العذابِ للفاعل ولغيره، فإنَّ هذا فِعْلُ من لا يُسْألُ عما يفعلُ. وأبطلَ من هذا استدلالَ منِ استدلَّ على ذلك بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (١)؛ فإن هذه الآيةَ ليس فيها إلاَّ التحذيرُ من الفتن إلى أن قال ـ رضي الله عنه ـ: فكيف يصحُّ الاستدلالُ بهذه الآيةِ على جوازِ تعميمِ العقوبةِ منَّا لمن يعلم أنَّه لم يكن من تلك في شيء؟.

قلتُ: الكلام في هذا من وجهينِ:

الأولى: في صحة دعوى القسامةِ على نقل الحدِّ، مع كون الحد قد يكون في طريقٍ عامٍّ لا يختصُّ بمحصورين.

الوجه الثاني: أنْ يستدَّ المستدلُّ بفعلِ الله تعالى في عبادِه.

فنقول: ما قصَّه الله تعالى في قصصِ الأنبياءِ فقد أخذَ العلماءُ منه أحكامًا من غير نكيرٍ وليس المرادُ أنه من سؤاله تعالى عن فعلِه في خلقِه حتى يكونَ داخلاً في النَّهي الذي قوله عز وجل: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (٢) وجه ما ذكرناه أنَّهم قد أخذوا من قوله عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (٣) أنه ينبغي تظعيمُ العلماء، لأن الملائكةَ ـ عليهم السلام ـ لما أنبأهم آدمُ بالأسماء (٤)، ورأو معه من العلم


(١) [الأنفال: ٢٥].
(٢) [الأنبياء: ٢٣].
(٣) [البقرة: ٣٤].
(٤) قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: ٣١ - ٣٣].