للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما لم يعلموه عظّموه، وأنه يجوز السجودُ لغير الله، لكنه محمولٌ أنه على جهة التحيةِ والتعظيمِ (١) حيثُ لم يعلم صفتَه كما ذكره قاضي القضاة في المحيط. هذا التأويل حيث لم يكن جائزًا في شريعتنا، وقد ذكر فيه [٤ب] وجوهًا كثيرًا من التأويلِ، ليس الغرضُ الاستيفاءَ، إنما المرادُ التنبيهُ على رؤوسِ المسائل.

ومنها قوله ـ عز وجل ـ ما ذكره الله تعالى في اصطفاء طالوتَ حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} (٢) قال بعض المفسرين (٣): إن حرفته الدباغةُ، وقيل السقايةُ فقالوا: يؤخذ من الآية. ويؤخذ منها أنَّ النبوةَ والإمامةَ لا يشترطُ فيها أن يكون صاحبُها ممن له حرفةٌ رفيعةٌ، أو أن يكونَ غنيًّا، لأنه قد روي أنه كان فقيرًا فاستنكر قومُهُ فَقْرَهُ. وفي قصة صالحٍ (٤) المذكورةِ في عَقْرِ الناقةِ أنَّ الساكتَ كالراضي أُخذ من قوله: فعقروا الناقةَ، وذلك لما حصَلَ بينَهم وبين فاعلِ العقرِ من التراضي، ولم يقل أحدٌ من العلماء فيما رأيتُه أنه يُؤخذ منه دعوى القسامةِ. ومنها: ما ذكرَهُ في قصة قوم لوطٍ في تعذيبهم. قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} (٥)


(١) قال الجمهور: كان ذلك السجود تكريمًا لآدم وإظهار لفضله وطاعة لله تعالى.
" الجامع لأحكام القرآن " (١/ ٢٩٣).
قال ابن كثير في تفسير (١/ ٢٢٧): وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم.
(٢) [البقرة: ٢٤٧].
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره (١/ ٦٦٦).
(٤) انظر "الجامع لأحكام القرآن" (٧/ ٢٤١). "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٣/ ٤٤٠ - ٤٤١).
(٥) [هود: ٨٢].