للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما القولُ السادس: أعني القولَ بكراهتِها على أيّ صفة كانت تمسُّكًا بما سبق عن ابن عباس فهو لا يتمُّ إلاَّ بعد تسليم أنَّه لم يُرْوَ عن النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ما يعارض ذلك، وقد ثبت من حديث ابن عباس نفسه عن الشيخين والنَّسائي بزيادةِ: "ولا يُكْرِها"، ومن حديث جابر عند مسلم بزيادة: "فإن أبى فَلْيُمْسِكْها" (١) وسائرُ ما سبق في أحاديث النَّهي.

وأما القول السابعُ: أعني الجواز إذا كان البذرُ (٢) من ربِّ الأرض، والمنع إذا لم تكن منه فيدفعُه إطلاقاتُ تلك الأحاديثِ السابقةِ في الجوازِ والمنعِ.

أما في الجوازِ فحديثُ معاملتِه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أهلَ خيبرَ، وظاهره أن البَذْرَ منهم كما قال صاحب المنتقى (٣). وأما في المنع فحيدث النَّهي عن المخابرة المفسَّرة بالثلث والربع، وظاهرهُ الإطلاق، ولم يردْ من الأدلة ما يقضي بالتقييد، ويدفعه أيضًا حديث عمر السابق عند البخاري أنه عاملَ الناسَ على إن جاء بالبذرِ مِنْ عنده فلهُ الشطرُ وإن جاؤا به من عندِهم فلهم كذا.

والذي ظهر للحقير، أسير التقصير تحريمُ كلِّ مخابرةٍ لم تقع على تلك الصفة التي فعلها رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في خيبرَ، لأنها قد وردت في كل نوع منها أدلةٌ قاضيةٌ بالمنع، ولم يعارِضْها معارِضٌ؛ فتحرُمُ المخابرةُ المفسَّرةُ ببيع الكدسِ بكذا وكذا للنَّهي الواقع عنها، ولأنها أيضًا نوعٌ من الربا، ولم يقمْ دليلٌ يقضي بجوازها. وتحرمُ أيضًا المخابرةُ التي اشترطَ فيها المالكُ أن يكون له هذه، وللعاملِ هذه لما في حديث رافع ولا يعارضُهُ ما وقع منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في خيبرَ، لأنه وقع لى نحوٍ مخالفٍ له.

وتحرمُ أيضًا [٣أ] المخابرةُ بما يكون على السواقي والماذياناتِ وأقبالِ الجداول ونحوِها


(١) انظر "المغني" (٧/ ٥٦٦ - ٥٦٧).
(٢) (٣/ ٧٠٢ - ٧٠٩).
(٣) في صحيحه رقم (٥/ ١٠ رقم الباب ٨).