للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قيل:

وقد درتُ في تلك المعاهد كلها ... وسرَّحتُ طرفي بين تلك المعالم (١)

فإن قلت: ليس الظهور الذي زعمتَه إلا من حيثية المذهبِ كما دل على ذلك قولُك وليس الخوضُ إلا فيما نصّ عليه أئمةُ المذهب الشريفِ.

فأقول: نعم ليس النزاعُ إلا في المذهب، ولكن ماذا أفدتَ أفادا لله بك فإنك لم تأت إلا بما يدُلّ على عدم تعقُّل مَحلَّ النزاعِ أصلاً لأنك قلتَ: إن الماءَ يُملك بالنقل والإحرازِ وهو غيرُ محلّ النزاعِ، ولعل سائلَك لا يخفى عليه هذا فإن النزاعَ بيني وبينه ليس إلا في اندراج ما وقع الخوضُ فيه في حكمِ النقلِ والإحرازِ أو عدمِ اندراجِه، فما لنا وللنقل والإحراز. ثم قلت: وكون الآبارِ وسواقي الأنهارِ شاهدةً لذلك.

فيالله العجب حيث يتصدر للإفتاء من كان بهذه المنزلة وأين هذا مما نحن فيه وما معنى هذه الشهادة فإن الكوزَ والسواقيَ المملوكة لا خلاف بيني وبين سائلك أنها مملوكةٌ ولا نزاع بيننا فيها ولا ملازمة به بين مُلكِها ومُلْكِ الماء الحالِّ فيها والجاري عليها لا عقْلاً ولا شرعًا ولا عادةً بإجماع العُقلاء ثم قال: وعلى ذلك مضت عادةُ المسلمين.

أقول: أيها المجيبُ إلى ماذا أشهدتَ بقولك ذلك؟ هل إلى مُلك الماء بالنقل والإحرازِ فذلك خارجٌ عما سألتَ عنه أم إلى شهادة الكوزِ والسواقي فما معنى هذه الشهادة وما معنى كونها مصبّ العُرف والعادة؟

وقولُك: فهو إجماعُ السلف والخلف في صحة تلك فإلى أين يا أبا ليلى وكم هذه


(١) هو لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة ٥٤٨هـ وقال بعده:
فلم أر إلا واضعًا كفَّ حائر ... على ذقن أو قارئ مِنّ نادم
انظر: "نهاية الإقدام" (ص٣)، "الفتوى الحموية" لابن تيمية (ص٧)، "الملل والنحل" (١/ ١٧٣).