للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثرُه، وهذا شائعٌ في اللغة، معلومٌ عند أهلها لا ينكرونه.

وأما قوله: إنها وقعة عينٍ لا عمومَ لها.

فقد عرفتَ ما تقرَّر في الأصول (١) أن ما شرعه الشارعُ لفردٍ من أفرادِ أمّته أو لبعضِ الأفراد يكون شرعًا لسائر الأمّة، ولم يقعِ الخلافُ بين أهل الأصولِ إلاَّ في نفس الصيغةِ كما هو محرَّرٌ في مواضعهِ حتى قيلَ إنه مجمعٌ على أن الحكمَ على الواحدِ حكمُ (٢) الجماعة ما لم يتبيَّن الشارعُ الاختصاص بذلك الواحد كقوله: يجزيك ولا يجزئ أحدًا بعدك (٣)، ونحو ذلك.

مع هذا فقد قدمنا أنَّ الحديثَ مربوطٌ بعلَّةٍ لا تخصُّ فردًا من الأمة دونَ فرد، وهي قوله: "أنت مضارٌّ" (٤) هذا على فَرضِ أنه لم يدلّ على ما ذكرناه دليل إلا هذه الواقعة فكيف وقد وقعَ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ الحكمُ في وقاعة أخرى بمثل ذلك! كما في حديث واسعِ بن حبان المذكور، على أنا لو فرضنا عدم وقوع هاتين الوقعتين من النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لكان الدليلُ موجودًا مغنيًا عن غيره كما أسلفنا.

وأما ما ذكره ـ كثر الله فوائده ـ من أن دعوى الضرار بعد القسمة التي شُرِعَتْ لدفع الضرار يعودُ على الغرض المقصود منها بالنقص.

فنقول: نعم، القسمةُ شرعتْ لدفع الضرارِ (٥)، فإذا لم يندفع الضرارُ بها فليست [٥أ] بقسمة شرعيةٍ، والمفروضُ في مسألة السؤال أن الضرار موجودٌ بوجه من الوجوه المتقدمة، وليس النزاعُ في شيء لم يبق بعد قسمته ضرارٌ، فالحاصلُ أن هذه القسمة التي وُجِدَ الضرارُ بعدها ليست بقسمةٍ شرعيةٍ، لأنه لم يحصل الغرضُ الذي شرعت لأجله


(١) انظر "البحر المحيط" (٣/ ١٩٠)، "تيسير التحرير" (١/ ٢٥٢). وقد تقدم توضيحه.
(٢) تقدم تخريجه مرارًا.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) انظر "المغني" (٧/ ٤٦)، "الحاوي" (٨/ ٦٧ - ٧٠).