للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخاصمَهُ الشركاءُ، وطلبوا ملكَهم فالقولُ قولُهم، ويكون لهم استخلاصُ ملكِهم من يدِّ مَنْ قد صار إليه ببيعٍ أو رهن أو غير ذلك، لأن الأصلَ والظاهرَ قد تطابقا هاهنا، وبيانُه أنه لا ريبَ أن الأصلَ بقاءُ الشء على ملك مالكِه، وقد عضَّدَ هذا الأصلَ الظاهرُ لأن عدمَ التفويض والاستبداد من ذلك المتصرِّف بالتصرُّفِ في غير هذا الشيء الذي وقع النزاعُ فيه، يستفادُ منه بطريق الظهورِ عدمُ وجود المناط الشرعي، وهو الرِّضى من الشركاء المذكورينَ [١ب]، وهكذا يتعاضَدُ الأصلُ والظاهرُ إذا كان شركاءُ ذلك المتصرِّفِ من النساء اللاتي يباشِرْنَ التصرفاتِ، ويمارِسْنَ ما يمارسهُ الرجالُ من الأمور المتعلِّقة بالأموالِ، أو كان الشركاءُ قاصرينَ، فإنه كما يكون الأصل عدَم الرضى من النساء يكونُ الأصلُ أيضًا عدمَ المصلحةِ للقاصرينَ، وكما يكون الظاهرُ من أحوالِ النساءِ عدمَ الرضى للعلَّةِ التي ذكرناها يكون الظاهرُ عدمَ المصلحة للقاصرينَ، لا سيما في التصرفات التي لا أعواضَ لها هي أصلحُ وأريحُ للقاصرينَ من العينِ أو الأعيانِ التي تصرَّفَِ فيها ذلك المتصرِّفُ بالبيع ونحوِه، فتقرَّر بما ذكرناه أنه قد يعاضِدُ الأصلَ والظاهِرَ في هذه الصورة، والتي قبلَها على عدمِ لزوم تصرُّفِ ذلك المتصرِّف ببيعٍ أو رهنٍ لشركائه.

وأما الصورةُ الأولى، وهي صورة التفويضِ فقد تعارِضُ الأصلَ والظاهرَ، فالأصلُ يقتضي بقاءَ الملكِ لمالِكه، والظاهرُ قد دلَّ على نفوذ تصرُّفِ لمكان التفويض الذي هو مناطٌ شرعيٌّ، فلو فرضنا التباسَ الأمرِ، وعدمِ الوقوف على الحقيقة من تفويض أو عدمِه مع كون الشركاء مكلَّفينَ عارفينَ بما فيه مصلحةٌ، وما لا مصلحة فيه من التصرُّفات، فالواجب الرجوعُ إلى الأصل، وهو بقاءُ الملك، وعدمُ حصولِ الرضى المستفادِ من التفويضِ، ولم يوجدْ هاهنا ما يستفادُ منه ما يخالفُ الأصلَ من ظاهرٍ أو غيره فكان الأصلُ خالصًا عن المعارض، فوجبَ البقاءُ عليه والعملُ به، ويكون للشركاء استخلاصُ ملكهم من يد مَنْ هو في يده، ببيعٍ أو رهنٍ، وكذلك إذا كان الشركاء نساءًا أو قاصرينَ.

فإن قلتَ: هذا التعويلُ على مجرَّد الأصلِ، والظاهرُ وإن كان قاعدةً كليةً من القواعد

الأصوليةِ والفروعية، لكنَّ مثلَ السائلِ ـ كثر الله فوائده ـ لا يقنعهُ إلاَّ الدليلُ [٢أ] لا مجرَّدُ القالِ والقيلِ.

قلتُ: ليس التعويلُ منا هاهنا إلاَّ على ما صرَّح به الكتاب العزيز، والسنَّة المطهَّرة من اعتبار الرِّضى، وطيبة النفس في تحليل أملاك العباد لبعض، وأنَّها لا تؤكلُ بالباطل فإن دلَّتِ القرائنُ المعمولُ بها شرعًا على حصول الرضى، وطيبة النفس فقد حصل المناط الشرعيُّ، فلم يُرَدْ بالظاهر الذي ذكرناه إلاَّ دلالةُ تلك القرائنِ المقبولة على وجود المناطِ الذي اعتبرهُ الكتاب (١) والسنة (٢)، ولم نُرِدْ بالأصل إلاَّ عدمَ وجود تلك القرائنِ الدالةِ على وجود المناطِ، فكان الدليلُ على نفوذ التصرُّفِ في صورة التفويض هو الكتابُ والسنةُ، وعلى عدم نفوذِ التصرُّف في غير تلك الصورةِ هو عدمُ وجودِ الدليل الدالّ على انتقال الملكِ عن مالكِه، أو استحقاق حَبْسِهِ عنه.

البحثُ الثاني: سؤالُ السائلِ ـ كثر الله فوائده ـ عن إفلاس الراهنِ عن قضاء الدَّين (٣) إذا كان موجودًا، فهل للمؤجِّر للرهن والمعيرِ أن يقضيا الدَّين ويفكَّاه، ويرجعا على الرَّاهن؟.

أقول: جوابُ هذا البحث يتوقف على تحرير أمرين:

الأول: أن المؤجِّر والمعير إنما حصل منهما الرِّضى بحبس تلك العين المرهونة حتى يقيضيَ الراهنُ ما عليه من الدَّين، ولم يحصل منهما الرضى بإخراج العينِ عن ملكِهما كما هو مقتضى ....

....

....

....

....

....

....

....

.....


(١) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩].
(٢) منها قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه".
وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.
(٣) انظر "المغني" (٦/ ٤٦٢).