للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظاهرُ ويرتبُ عليه قسمةُ المالِ على السويةِ! فإن العاقلَ إذا رجع في مثل هذا إلى عقلِه علمَ الأمرَ بالعكس، وأن الأصل والظاهرَ يشهدانِ بخلاف ذلك، والمتشرعُ، إذا رجع إلى الشرعِ علمَ أن الشرعَ قاضٍ بعصمة الأموالِ {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (١)، "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ" (٢)، "لا يحلُّ مالُ امرئ مسلم إلاّض بطيبة من نفسه" (٣). فأقلُّ الأحوال أن يكون القولُ قولَ صاحبِ المال الكثيرِ، أو السعي الواسعِ بأنه لم يرضَ بمصير شيءٍ منه إلى غيره حتى يقومَ البرهانُ على وقوع الرضى منه، وحصولِ طيبةِ النفسِ به، مع أن عدمَ الوقوعِ يُسْتَفادُ من العقل، وهو كون الأصل عدمَ وقوع الرضى، لاتفاقِ العقلاءِ على أن المَلَكاتِ مسبوقةٌ بالعدمِ، وأن الأصلَ في كل شيء له وجودٌ خارجيٌّ أو ذِهنيٌّ إذا حصل النزاعُ في وجوده أنه غيرُ موجودٍ، حتى يقومَ الدليلُ على وجوده قيامًا يقبله الخصمُ، والإمامُ شرفُ الدين ـ رحمه الله ـ إن كان كلامُهُ في الخصومات التي قد تقرر حصولُ الرضى من أهل الشركةِ العُرفية فيها بالاستواء في جميع المكتسبات كما يدلُّ عليه ظاهر كلامِه السابِق الذي نقلناه عنه فهذا مسلَّمٌ لا ينبغي النزاع فيه، ولا المخالفةُ له. وإن كان في كل شركةٍ عُرفيةٍ سواءٌ حصلَ الرضى [٥أ] أو لم يحصلْ استدلالاً بما ذكره من جَرْي العُرْفِ بالاستواء فقد عرفناك أن جريَ مثلِ هذا العرفِ في زمنه لا يستلزمُ جَرْيَهُ في غيره من الأزمنة، لا سيَّما الأزمنةُ التي قد عُلِمَ من أحوال أهلها ما يخالفُ ذلكَ، وعرفناك أن الإجماعَ كائنٌ على أنه لا يُحٍْكَمُ بعرفٍ جرى بين قومٍ على قوم آخرينَ لم يجرِ بينهم ذلك العرفُ، فإنه لو جرى العرفُ بين طائفةٍ من الناس في قطر من الأقطار أن الإدامَ تختصُّ عند الإطلاقِ بالسمنِ، وعند آخرينَ في قطر آخرَ أن الإدامَ إذا أُطْلِقَ اختصَّ بالزيت لم يقل قائلٌ من أهل العلم أن من حلفَ: لا آكلُ


(١) [البقرة: ١٨٨].
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.