للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل العلم، وأما أبو حنيفةَ (١) فلم يقل بعدم مشروعيته بل قال بعدم لزومه، وخالفَه في ذلك جميع أصحابه إلاَّ زفرَ بنَ الهذيلِ.

وحكى الطحاويُّ (٢) عن عيسى بن أبان قال: كان أبو يوسُفَ يجيزُ بيع الوقف، فبلغهُ حديث عمر يعني الذي في أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال له: "حبِّس الأصل، وسبِّلِ الثمرة" فقال: مَنْ سمعَ هذا من ابن عون؟ فحدثه به ابن عليَّةَ فقال: هذا لا يسعُ أحدًا خلافُهُ، ولو بلغ أبو حنيفة لقال به، فرجعَ عن بيع الوقف حتى صار كأنه لا خلافَ فيه بين أحد.

وأما ما روى الطحاويُّ (٣)، وابن عبد البَرِّ (٤) من طريق مالكٍ عن ابن شهاب قال: قال عمرُ لولا أني ذكرت صدَقَتي لرسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لردَدْتُها. فلا يدلُّ على جواز الرجوعِ في الوقف، وعدمِ لزومِه، لأنَّ قول عمرَ ليس بحُجَّةٍ، ولا سيَّما إذا عارض المرفوعَ. وقد ثبتَ من قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ الأمرُ بالتحبيس. ومفهومُ التحبيس لغةً مانعٌ من النقضِ، وأيضًا هو منقطعٌ، فإنَّ ابنَ شهاب لم يدركْ عمرَ.

وأما ما روي عن الطحاويّ (٥) أيضًا من أنَّ قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لعمرَ:


(١) ذكره ابن قدامة في "المغني" (٨/ ١٨٥): "وذهب أبو حنيفة إلى أنَّ الوقف لا يلزم بمجرَّده، وللواقف الرجوع فيه، إلاَّ أن يوصى به بعد موته. فيلزم، أو يحكم بلزومه حاكم. وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود، وابن عباس. وخالفه صاحباه، فقالا كقول سائر أهل العلم".
وانظر: "التمهيد" (١/ ٢١٣ - ٢١٤).
(٢) في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٩٥).
(٣) في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٩٦).
(٤) في "التمهيد" (١/ ٢١٤).
(٥) في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٩٥).