للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"حبِّس الأصلَ وسبِّلِ الثمرةَ" لا يستلزم التأييدَ، بل يحتملُ أن يكون أراد مدة اختيارِه لذلك، ففي غاية الضعف، فإنه لا يُفْهَمُ لغةً وعرفًا التحبيس إلاَّ التأبيدُ (١).

ويدلُّ على ذلك ما ثبت عند الدارقطني (٢) من طريق عبيد الله بن عمرَ العمريّ، عن نافع مرفوعًا بلفظ: "حبّس ما دامتِ السمواتُ والأرضُ".

وأما ما رواه البيهقيُّ (٣) من حديث ابن عباس أن النبيّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال: "لا حَبْسَ بعدَ سورةِ النساءِ" ففي إسناده ابنُ لهيعةُ. وعلى فَرَض صلاحيتهِ للاحتجاج فقد فسَّره أئمةُ اللغة بأنَّ المراد به أنَّها لا تُحْبَسُ فريضةٌ عن الذي فرضَها الله له. وعلى فَرَض أن الحَبْسَ المذكورَ في الحديث يشملُ حَبْسَ الوقفِ لأ، ه نكرةٌ في سياق النفي فَنَعَم، ولا يُقْصَرُ على السبب، فعمومُهُ مخصوصٌ بما ورد في مشروعية الوقف من الأحاديث الصحيحةِ، لأنّ الوقفَ حَبْسٌ خاصٌّ.

وبهذا القَدْرِ يتبينُ لك أنه لا متمسَّكَ بيد مَنْ قال بعدم مشروعيتِ الوقفِ مطلقًا، أو بعدم لزومِه بعد إيقاعه.

قال القرطبيُّ (٤): ردُّ الوقف مخالفٌ للإجماع فلا يُلْتَفَتُ إليه (٥)، وأحسنُ ما يُعْتَذَرُ به عمن ردّه ما قال أبو يوسُفَ (٦) من أنه لم يبلغِ الدليلُ أبا حنيفة، وهو أعلم بأبي حنيفةَ من


(١) انظر "فتح الباري" (٣/ ٤٠٣).
(٢) في "السنن" (٤/ ١٩٢ رقم ١٦).
(٣) في "السنن الكبرى" (٦/ ١٦٢).
(٤) في "المفهم" (٤/ ٦٠٠).
(٥) ذكره الحافظ في "الفتح" (٥/ ٤٠٣)، "المغني" (٨/ ٢٠٧).
ثم علل القرطبي قوله "وهذا خلافٌ لا يلتفت إليه، فإنّ قائله خرق إجماع المسلمين في المساجد والسّقايات إذ لا خلاف في ذلك ... ".
وذهب الشافعي إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام، أي وقف الأراضي والعقار، قال: ولا نعرف أن ذلك وقع في الجاهلية، وحقيقة الوقف شرعًا ورود صيغة تقطع تصدق الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به وتثبت صرف منفعته في جهة خير.
"الأم" (٨/ ١٧٦ - ١٨٠)، "فتح الباري" (٥/ ٤٠٣).
(٦) ذكره الحافظ في "الفتح" (٥/ ٤٠٣)، "المغني" (٨/ ٢٠٧).
ثم علل القرطبي قوله "وهذا خلافٌ لا يلتفت إليه، فإنّ قائله خرق إجماع المسلمين في المساجد والسّقايات إذ لا خلاف في ذلك
". وذهب الشافعي إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام، أي وقف الأراضي والعقار، قال: ولا نعرف أن ذلك وقع في الجاهلية، وحقيقة الوقف شرعًا ورود صيغة تقطع تصدق الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به وتثبت صرف منفعته في جهة خير.
"الأم" (٨/ ١٧٦ - ١٨٠)، "فتح الباري" (٥/ ٤٠٣).